" إسمي (صابرين) أنتسب إلى بلد زراعية في أقصى شمال مصر لكنها عرفت الصناعة، وكان البارود المستخدم في رصاص "الأسلحة" هو أول شيء صنعته بلدتي في عهد الدولة العثمانية
وكأن لعنةً أصابت سكانها منذ هذا الصنيع ، جعلتهم يكرهون الحياة وأنا من بينهم
فبلدتي هي الأعلى في معدلات الإنتحار بين البلدان المجاورة ، يبتلعون أقراص دواء الغِلال فلا تلبث في بطن أحدهم حتى تستشري في دمه فيبدأ عمره في العد التنازلي وما هي إلا سويعات حتى يُمسي مُشَيَّعا إلى مقابر البلدة التي امتلأت شبابا وصِبْيةً كانوا يكرهون الحياة مثلي لا أدري متى أتحلل من تلك اللعنة، في كل صباح أفتح عيني وأتفقد المكان من حولي وأمكث هنيهات حتى أستوثق أنني لا زلت على قيد الحياة وأسير هكذا من العمل إلى الدراسة إلى البيت كآلة متهالكة يبخل عليها صاحبها بتكلفة صيانتها أتناول الطعام كثيرا إلى حد الإفراط حتى أخمل عن التفكير في مأساتي المتكررة
أبي يخشى عليّ كثيرا..
لكنه يدفعني إلى العمل دفعا فلا أدري هل أنا مدللةٌ لديه أم مضطهدةٌ منه؟!على كل حال قد وجب عليّ بِرَّهُ، هو أبي شئتُ ذلك أم أبيْت
وأمي امرأة طيبة، عطاؤها كثير لكنه يتلخص في طهو الطعام الذي أفرط فيه بتحريض منها
وغسل الثياب الذي أتتفنن في تنميقه بتلميح منها لعل عريسًا غنيا ووجيهًا يفتتن بي فيتقدم لخطبتي وينتشلني من الريف إلى الحضر في أحضان السيارة ( الملَّاكي ) الفارهةوأنا أطيعها وأنساق إلى رغبتها كما أفعل مع أبي تماما، ليس على رغبة مني.
سأخلد إلى النوم بعدما تناولت العشاء فلا مفر عندي غير النوم والطعام
عذابهما وعذاب مأساتي على كل حال أهون من عذاب القبر الذي لا آمنه إن استسلمت لبغض الحياة وابتلعت قرصا من أقراص دواء الغِلال لونه رماديٌّ يميل إلى السواد؛ كلون البارود الملعون ... "