رئيس كوريا الجنوبية يعلن الأحكام العرفية في البلاد والبرلمان يلغيها
كشف رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، عن حالة الطوارئ العسكرية والأحكام العرفية، متهمًا المعارضة في بلاده بالسيطرة على البرلمان والتعاطف مع كوريا الشمالية وشل الحكومة من خلال أعمال مناهضة للدولة.
بيان طارئ من رئيس كوريا الجنوبية
وأعلن "يون" في بيان طارئ، أوردته وكالة الأنباء الكورية الجنوبية "يونهاب"، إنّ إعلان تطبيق الأحكام العرفية من أجل القضاء على القوى الموالية لكوريا الشمالية والدفاع عن النظام الدستوري الحر.
وتابع الرئيس كوريا الجنوبية: "من خلال إعلان الأحكام العرفية، سأعيد بناء وحماية جمهورية كوريا الحرة التي تواجه تحديات كبيرة ولتحقيق هذه الغاية، سأقوم بالتأكيد بالقضاء على القوى المناهضة للدولة والمذنبين وراء تدمير البلاد، الذين ارتكبوا أعمالًا شريرة حتى الآن".
وأضاف الرئيس الكوري أن هذا الإجراء لا مفر منه لضمان حرية وسلامة الشعب واستدامة البلاد من تصرفات القوى المناهضة للدولة التي تسعى للإطاحة بالنظام، ونقل بلد سليم إلى الأجيال القادمة.
وتابع: "سأقوم بالقضاء على القوى المناهضة للدولة وبإعادة البلاد إلى حالتها الطبيعية في أسرع وقت ممكن"، وأضاف أن "إعلان تطبيق الأحكام العرفية سيسبّب بعض الإزعاج للمواطنين الصالحين، الذين آمنوا واتبعوا القيم الدستورية لجمهورية كوريا الحرة"، مؤكدًا أن الحكومة ستركّز على تقليل هذه المضايقات.
وذكر الرئيس الكوري أن مثل هذا الإجراء لا مفر منه لبقاء جمهورية كوريا، مشددًا على أنه لا يوجد تغيير في السياسة الخارجية المتمثلة في وفاء البلاد بمسؤولياتها ومساهماتها في المجتمع الدولي.
وتابع: "بصفتي رئيسًا أناشد بجدية الشعب، وسأثق بالشعب فقط، وسأكرس حياتي للدفاع عن جمهورية كوريا الحرة، وأطلب من الشعب أن يثق بي".
أزمة كوريا الجنوبية
يعيش العالم على وقع الأزمات السياسية والاجتماعية، شهدت كوريا الجنوبية حدثًا دراميًا أعاد إلى الواجهة صراع القوى بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وذلك بعدما قرر الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول إعلان الأحكام العرفية، تحت ذريعة مواجهة تهديدات داخلية وخارجية، ما قوبل بتحدٍ مباشر من البرلمان الذي يسيطر عليه حزب المعارضة الديمقراطي.
وفي خطاب تلفزيوني مفاجئ وغير معلن، أعلن الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول فرضه الأحكام العرفية، مبررًا قراره بضرورة حماية البلاد من التهديدات التي تشكلها القوات الشيوعية في كوريا الشمالية، إضافة إلى "القضاء على العناصر المناهضة للدولة"، وفق وكالة "يونهاب" الكورية الجنوبية.
وأكد رئيس كوريا الجنوبية أن قراره يستهدف الحفاظ على النظام الدستوري الليبرالي، لكنه لم يفصح عن تفاصيل الخطوات التي ستُتخذ بموجب هذا الإعلان.
وأثار إعلان الأحكام العرفية، وهو الأول منذ التحول الديمقراطي في كوريا الجنوبية عام 1987، تساؤلات واسعة حول مدى شرعيته، فوفقًا للقانون الكوري الجنوبي، يمكن للبرلمان رفع الأحكام العرفية إذا صوّتت أغلبية أعضائه على ذلك.
وهذا القانون جعل البرلمان، الذي تسيطر عليه المعارضة، مركز الصراع الحالي، وفق وكالة "أسوشيتد برس".
البرلمان يتحدى الرئيس في خطوة حاسمة، تحرك البرلمان الكوري الجنوبي سريعًا لمواجهة قرار الرئيس، وقدّم رئيس الجمعية الوطنية، وون سيك، قرارًا لرفع الأحكام العرفية خلال جلسة استثنائية في ساعة متأخرة من الليل.
وجاء ذلك بحضور 190 من أصل 300 عضو برلماني، تم تمرير القرار بالإجماع، ما يمثل صفعة قوية للرئيس يون.
وكان هذا التصويت مجرد رد فعل، بل كشف عن قوة المعارضة الليبرالية في البرلمان، التي استفادت من أغلبيتها لإفشال الخطوة التي اعتبرتها غير دستورية ومنافية للمبادئ الديمقراطية.
الخلافات الكورية الجنوبية
ويعكس إعلان الأحكام العرفية عمق الأزمة السياسية التي تعيشها كوريا الجنوبية، فمنذ تولي يون سوك يول منصبه عام 2022، واجه تحديات مستمرة بسبب سيطرة المعارضة على البرلمان، وفق "بي بي سي".
وجاء هذا الخلاف حول مشروع قانون الميزانية للعام المقبل كان القشة التي قصمت ظهر البعير، فبينما سعت المعارضة إلى تقليص الميزانيات الحكومية، رفض يون التنازل، إلى جانب ذلك، تحركت المعارضة لمحاولة عزل ثلاثة من كبار المدعين العامين، في خطوة اعتبرها حزب الرئيس انتقامًا سياسيًا من التحقيقات الجارية ضد زعيم المعارضة لي جاي ميونغ، الذي يُعد المرشح الأبرز للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وواجه الرئيس الكوري الجنوبي معدلات قبول منخفضة بسبب الخلافات والفضائح المختلفة، بما في ذلك تلك التي تورطت فيها زوجته، مثل التلاعب المزعوم في الأسهم وقبول حقيبة يد فاخرة، التي اعتذر عنها "يون" قائلًا: "من المفترض أن تتصرف زوجتي بشكل أفضل".
وكان أبرزها اتهامات طالت زوجته بشأن الفساد واستغلال النفوذ، التي رفض يون الدعوات لإجراء تحقيق مستقل بشأنها، ما زاد من حدة الانتقادات الموجهة إليه.
هناك تداعيات قانونية واجتماعية
وجاءت الأحكام العرفية التي أعلنها "يون" تفرض تغييرات جذرية على المشهد السياسي والقانوني في البلاد، تشمل هذه التغييرات تعليق الحقوق المدنية، وتوسيع السلطات العسكرية، وفرض قيود على وسائل الإعلام، إضافة إلى حظر النشاط البرلماني.
ويمكن اعتقال منتهكي الأحكام العرفية دون الحاجة إلى مذكرة توقيف، ما يعكس الطبيعة الصارمة لهذه الإجراءات.
وعلى الصعيد الاجتماعي، أثار الإعلان مخاوف بين المواطنين، وأظهرت صور متداولة انتشارًا أمنيًا مكثفًا، شمل إغلاق البرلمان بالدبابات والطائرات الهليكوبتر. وفي الوقت نفسه، دعت المعارضة أنصارها إلى التظاهر أمام الجمعية الوطنية، ما أدى إلى تجمعات حاشدة وسط شعارات رافضة للأحكام العرفية.
حذر دولي
خارج حدود كوريا الجنوبية، أثارت التطورات اهتمامًا دوليًا واسعًا.
وأعربت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عن قلقها من تصاعد الأزمة، مؤكدة أنها تتابع الوضع عن كثب بالتنسيق مع السلطات الكورية الجنوبية، ومع ذلك، لم يصدر أي تعليق مباشر من الرئيس الأمريكي بشأن إعلان الأحكام العرفية.
بينما تتشابك القوى السياسية في كوريا الجنوبية في صراع غير مسبوق، يبقى السؤال الأساسي: هل سينجح البرلمان في إنهاء الأحكام العرفية وإعادة البلاد إلى مسارها الديمقراطي؟ أم أن الرئيس يون سيستخدم سلطاته لفرض رؤيته، حتى لو تطلب الأمر تصعيدًا أكبر؟.. الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل الديمقراطية الكورية الجنوبية.