على جمر الانتظار جلستُ أنا، أشكو طول هجرك الذي بدد أحلامي، فتت قلبي كفُتات خبز أصابه عفن الزمان، وأنهك خلايا عقلي الذي لم يتجاوز خذلانك بعد.
أتذكر أني كنت دائمًا أذهب إليك مُهرولًا، مُختبئًا من أذى الدنيا، كنت أروي لك عن تخوفاتي وعما يُحزنني؛ لكي تتجنب أذيتي، ولكنك أذيتني وكأني كنت أرشدك لضياعي.
اصطفيتك لتكون ملجأ أماني، اعتقدت أنك ستكون الكتف الثابت الذي لا يميل مهما ثَقُلتْ أحزاني، ولكنك خرقت كل قواعد المنطق لديَّ، وفاجأتني كيف للإنسان أن يكون بلا رحمة!
على الرغم من أن حدثي لا يُخطيء أبدًا،
رجفة عيني المفاجئة،
نبض قلبي الغير منتظم تجاه شيء ما،
قبضة روحي التي تخبرني دائمًا أن هناك ما يُقلق،
قراءتي للأشخاص من أعينهم.
معرفة من يحبني ومن يبغضني،
أستطيع التفريق بين الكذب والحقيقة من الوهلة الأولى.
لدي فراسة في ربط الأمور، وتحليل الشخصيات،
وكأن كل ما يحدث قد حدث من قبل.
لدي قرون استشعار ترشدني؛ لكنك استطعت خداع عقلي كإرسال مشوش من محطة راديو قديمة، أمنت لك وأنا الخائف من الجميع، استودعتك قلبي على جهلٍ مني بمكرك، كنت سآتي بضماد الأرض جَميعَهُ؛ لأُداوي جرحًا طفيفًا أصابك؛ فكيف طاوعتك يداك على طعن قلبي؟! وطال الانتظار.
لا أعلم هل حقًا كنت أعمى عن أخطائك عمدًا أم أنك بارع في تمثيل وجه الملاك الساحر فأصبت سهام غدرك أضُلعي، مزقتني اربًا بسكين الفراق، وتركتني ورائك قتيلًا دون أن تلتفت؛ ولكني رغم كل ذاك الألم الانتظار.
وأنا أتغنى بشعري:
قد اعتليتَ في قلبي أعلى مقام
فكيف تلوح بي ثم تتركني في الزحام!
أنا المغروم حتى بظلام قلبك المعتمِ
ضمدتُ جرحك الدامي فطعنتني
ورميت بي في قاع جُبٍ مظلمِ
ورغم غدرك بررتُ لك مُتوهمِ
أيا حبيبًا تباهيت به دهرًا
فرميتني بسهام فراقك قهرًا
هجرتني والبعد مٕزق خافقي
وجعلتني أتأوه بصوتٍ مُشفقِ
يقولون أن الانتظار يقتل الحب مع الوقت، ولكني انتظرتك دون أن أتذمر، انتظرتك بكل ما أوتيت من حبٍ، ولكن يا لوعة العمر، و يا جحيم الانتظار، ويا لها من أيامٍ قاسية، باردة على قلبي؛ كبرودة شتاءٍ قارص على متشرد يجول في الطرقات.
انتظر رغم أني أعلم أنك لن تأتي، تركتني على قارعة الطريق مُشردًا، ينظر إليَّ المارة مشفقين على الحزن الذي بات يعتريني، على هالاتي المحيطة بعيناي؛ كشبكة عنكبوت نُسجت من أرقي وخوفي.
مشفقين على أدمُعي التي أصبحت كوديان "ماكموردو" التي تشبه شلالات من الدماء الجافة، أحرقتني بنيران غدرك التي تشبه مذبحة المماليك.
فجلستُ أحذر العابرين أن هذا الدرب سينتهي بهم بالجلوس على قارعته دون أن يلتفت إليهم أحد،
ستأتيهم عاصفة الوجع فتقتلع جذور أرواحهم، سيطلقون تأوهات صارخة؛ لكن بلا جدوى لن يستمع إليهم أحد،
قلت لهم: أنهم سيسقوكم سُمًا حتى وإن رَويتُوهم مِسكًا، ولكن لم يلتفت لحديثي أحد؛ فطبيعة البشر دائمًا المخاطرة، اختاروا أن يتجاوزوني ويُكملوا الطريق في تحدي.
لا أعلم إن كانوا يتحدوني أم يتحدوا أنفسهم، أو يتحدوا الطريق، والزمان، ولكن ک حال أي طريق ينتهي بنهايتين،
منهم مَن سيخرج إلى بر الأمان المحيط بأزهار الأمل؛ التي تفوح منها رائحة الطمائنينة وتُكلل جهودهم بتاج الحب و الصدق.
ومنهم من سينتهي بهم على حافة الإنهيار، حاملين معهم ذكريات مُوْجِعَة، وأحلام هُدمت على جانبي الطريق، وانهيار سقف توقعاتهم فوق رؤوسِهم بلا رحمة.
متمنيين عدم العبور من ذاك الدرب الأسود الذي لطخ قلوبهم بلونه المفجع، وتعرجلته المهلكة التي جرحت أقدامهم بسبب صخورها المدببة، وكأنها سيوف تُعرقلهم من الاستمرار، ولكنهم لم يُدركوا ذلك إلا بعد فوات الأوان.