ضياء رشوان: حقيقة عنف الإخوان لم يكن رد فعل بل هو منهج

تحدث ضياء رشوان عن تشيع جماعة الإخوان منذ زمن بعيد، وبالتحديد منذ ثورة الضباط الأحرار فى يوليو 1952، أنها لم تكن فى ارتكابها جرائم العنف والاغتيالات العديدة، سوى رد فعل" على اعتداءات مزعومة وقعت عليها، من الحكم الذى أعقب هذه الثورة والذى تصفه بهتانًا بالحكم العسكري والمحاولات المستمرة للجماعة منذ ما يصل لسبعة عقود لترويج هذا الوصف الزائف الحقيقة ما يجرى من الجماعة وطبيعة الحكم فى مصر، نتج مباشرة أثناء وبعد نجاح تلك الثورة المركزية فى تاريخ مصر، حيث تؤكد معظم الكتابات والشهادات التاريخية متعددة ومتنوعة المصادر المساعى الحثيثة التى بذلتها الجماعة "للاستيلاء" على الثورة التى لاقت تأييدًا جارفًا من الشعب المصرى، بكل الوسائل التى تملكها.
الإخوان.. إعلام ما بعد السقوط
ووفقا لكتاب "الإخوان.. إعلام ما بعد السقوط" للدكتور ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، فإنه من بين المعلومات والتطورات المهمة فى تاريخ سعى الجماعة للاستيلاء على الثورة، أولًا تسللًا أن سيد قطب أبرز قيادات الجماعة ومنظر عنفها التاريخى، هو من أوائل من أطلقوا على حركة الضباط" كما كانت تسمى حينها، مصطلح "الثورة المباركة، وكان وقتها رئيسًا لتحرير "صحيفة الإخوان المسلمين"، تقربًا منه وتزلفًا وجماعته لحكم الثورة الجديد.
أيضًا، فقد حاولت الجماعة بنفس آلية التسلل عند تشكيل وزارة الثورة فى سبتمبر 1952، عندما ضغطت بشدة على الحكام الجدد ليستولى أعضاؤها على أكبر عدد من المقاعد الوزارية، ولكنها فشلت فى هذا فشلًا ذريعًا بوقفة عبد الناصر الصارمة ضده.
ولما لم يفلح التسلل لاستيلاء الجماعة على الثورة وحكم مصر، عادت إلى نهجها المفضل والأكثر سرعة وحسمًا فى تقديرها، وهو الصدام المباشر وفى قلبه استخدام العنف والاغتيالات، من هنا فقد أفضى الصدام الأوسع الذى بدأ بين الجماعة والحكم الجديد بقيادة عبد الناصر فى مارس 1954، إلى محاولة اغتياله الشهيرة بالإسكندرية فى أكتوبر من نفس العام على يد مجموعة من التنظيم الخاص التابع للجماعة، وهو ما أكده معظم مؤرخى تلك الحقبة واعترف به عدد كبير بعدها من قيادات التنظيم والجماعة فى مذكراتهم وكتاباتهم المنشورة.
حقيقة العنف الإخوانى
وهنا تظهر حقيقة العنف الإخوانى وكذب وزيف مقولة أنهم كانوا "رد فعل" لعنف ما يطلقون عليه من وقتها الحكم العسكري" فالتنظيم الخاص تأسس بأوامر وقيادة حسن البنا فى حدود عام 1937 أى قبل ثورة الضباط الأحرار بنحو خمسة عشر عامًا كاملة، والحقيقة أيضًا هى أن هذا التنظيم الخاص الذى تزعم الجماعة أحيانًا أنه تأسس لمواجهة الاحتلال البريطانى ومواجهة احتلال الجماعات اليهودية لفلسطين، لم يوجه طلقة واحدة للقوات البريطانية قبل عام 1952 وسط المقاومة المصرية الأوسع لهم فى منطقة قناة السويس وهو تأسس قبل حرب فلسطين عام 1948 بنحو عشر سنوات.
الضباط الأحرار
والحقيقة كذلك هى أنه فى الفترة السابقة على بدء العنف الإخوانى على يد التنظيم الخاص ضد حكم الضباط الأحرار عام 1954، مورست العشرات من عمليات العنف والاغتيال الكبرى ضد خصوم سياسيين للجماعة وأحيانًا ضد قيادات وأعضاء بها اختلفت الجماعة والتنظيم معهم.
وهكذا، فقد اغتالت الجماعة - بحسب أغلبية المؤرخين والموثقين - رئيس الوزراء أحمد ماهر باشا عام 1945، وألصق البعض الاتهام بالحزب الوطنى القائم حينها، وفى مارس 1948 قام التنظيم الخاص بالجماعة باغتيال القاضى أحمد الخازندار وهو الذى كان ينظر جريمة أخرى ارتكبها التنظيم قبلها وهى تفجير إحدى دور السينما الكبيرة بوسط القاهرة.
ولما قرر محمود فهمى النقراشى باشا رئيس وزراء مصر حينها بسبب هذه الجرائم حل الجماعة، لم يكن مصيره بدوره سوى أن يلقى مصرعه مغتالًا على يد التنظيم الخاص فى نهاية شهر ديسمبر عام 1948، وتولى رئاسة الحكومة بعده إبراهيم عبد الهادى باشا، الذى قاد حملة مشددة ضد الجماعة، فحاول تنظيمها الخاص اغتياله فى مايو 1949، ولكن المحاولة باءت بالفشل وتكرر طوال هذه الفترة التى سبقت صدام الإخوان مع عبد الناصر وحكمه ارتكاب الجماعة العديد من جرائم العنف والاغتيال، منها على سبيل المثال، حادثة السيارة الجيب"، التى ضبطت بالصدفة عام 1948 وهى محملة بالأسلحة والذخائر ووثائق الترتيب لتفجيرات واعتداءات، ومنها اغتيال قيادة التنظيم الخاص لأحد قياديى التنظيم السيد فايز بعبوة مفخخة فى منزله.
إذن الحقيقة واضحة والرواية الإخوانية كاذبة فلم يكن عنف الجماعة أبدًا "رد فعل" بل كان فعلًا مقصودًا ومخططًا، ولم يكن مقتصرًا على من حكموا مصر بعد 1952، فقد كانت أشد عملياتهم الإجرامية عنفًا موجهة إلى بعض من قيادات مصر ما قبل ثورة يوليو 1952، وواصلوا هذا بعدها على موجات متعاقبة، وصولًا إلى مرحلتنا الحالية حيث أصبح هذا هو النهج المعتمد لما تبقى من الجماعة، التى أضحت عدة جماعات تشترك معًا فى اعتماد العنف طريقًا ووسيلة.