رحلة ابن بطوطة للصين.. أبرز المغامرين لحب الاستطلاع والرغبة في الاستمتاع بالحياة

يعد محمد ابن بطوطة من أعظم الرحالة المسلمين قاطبة، وأكثرهم طوافًا في الآفاق، وأوفرهم نشاطًا واستيعابًا للأخبار، وأشدهم عناية بالتحدث عن الحالة الاجتماعية في البلاد التي تجول فيها، حقًّا إنه لم يكن فقيهًا دقيق الملاحظة سليم الحكم مثل ابن حجر.
ولكن حديث رحلاته الطويلة غني بالأحداث، يشع بالحياة، ويشهد بأن ابن بطوطة كان من المغامرين الذين لا يقر لهم قرار، ومن الذين يدفعهم حب الاستطلاع والرغبة في الاستمتاع بالحياة إلى أن يركبوا الصعب من الأمور.
محمد ابن بطوطة
ولد محمد ابن بطوطة في مدينة طنجة سنة ( 703هـ ــ 1304م) من أسرة عالية، أتيح لكثير من أبنائها الوصول إلى منصب والنبوغ في العلوم الشرعية.
غادر وطنه سنة 725ﻫ لأداء فريضة الحج، ولكنه ظل حول ثمانية وعشرين سنة في أسفار متصلة ورحلات متعاقبة.
وألقى أخيرًا عصى التسيار بما كان فيه ابن بطوطة يقصه من أحاديث أسفاره، فأمر كاتبه محمد بن جزي الكلبي أن يدون ما يمليه عليه هذا الرحالة.
وتولى ابن جزي كاتب السلطان رواية الرحلة وتلخيصها وترتيبها وإضافة بعض الأشعار إليها وتحقيق بعض أجزائها مستعينًا بكتب الرحلات المعروفة في ذلك العصر، ولا سيما رحلة ابن جبير، وفقًا لما جاء في كتاب "الرحَالة المسلمون في العصور الوسطى" لزكى محمد حسن.
رحلة ابن بطوطة
ولعل بعض الاضطراب في أخبار ابن بطوطة يرجع إلى أنه لم يدون رحلته بنفسه، وأن ابن جزي عدل في بعض أخبارها وغير فيها بالحذف أو الإضافة، بعد أن راجع طائفة من كتب الأسفار الأخرى، حتى جاءت بعض الأخبار بعيدة عن الدقة، ولا سيما أحاديث ابن بطوطة عن الصين: فاتهمه بعض النقاد بأنه لم يصل إلى تلك البلاد كما زعم في رحلته.
رحلة ماركو بولو
ولكنا لا نميل إلى تأييد هذا الاتهام كل التأييد؛ لأن معظم تلك الأحاديث يدعمها ما نعرفه عن رحلة ماركو بولو، الذي زار الصين أيضًا، ومكث فيها حول سبعة عشر عامًا، ثم أملى أخبار رحلته على كاتب آخر، وتوفي قبل أن يقوم ابن بطوطة برحلته الأولى بسنة واحدة.
وأشار الدكتور حسين فوزي في كتابه «حديث السندباد القديم» إلى قصة نزول ابن بطوطة ببلاد طوالسي في المحيط الهادي، ولاحظ أن وصفه تلك البلاد — ولا سيما نساءها — ذو صلة بأسطورة جزيرة النساء وأسطورة الوقواق.
سفر ابن بطوطة إلى بلاد الصين
وقال: إن تلك القصة من الحكايات التي دعت كثيرًا إلى التشكك من سفر ابن بطوطة إلى بلاد الصين وأنه ليس ببعيد أن يكون حديثه عن «أودجا» ملكة تلك البلاد «نوعًا من السطو البري على قصة علقت بذهن ابن بطوطة من مطالعاته عن البلاد التي في شرق الصين ونسبها إلى نفسه».
حقيقة سفر ابن بطوطة للصين
وفي رأينا أن هذه القصة وغيرها من القصص الغريبة قد تحملنا على أن نشك في صحة بعض ما نسبه ابن بطوطة إلى نفسه، ولكنها لا تكفي لأن نشك في صحة سفره إلى تلك البلاد.
والحق أن ما كتبه عن الصين يبدو قائمًا على أسس من المشاهدات الشخصية، ويجب ألا ننسى في هذه المناسبة أن مثل هذه الرحلة إلى الصين كانت أمرًا ميسورًا لابن بطوطة بوصفه سفير سلطان دلهي.
أسباب سفر ابن بطوطة إلى الصين
وإذا كان حديثه عنها بعيدًا عن الإسهاب والإطالة، فلعل السبب في ذلك أنه لم يكن يستطيع أن يتذكر السماء الصينية أو أن ابن جزي محرر الرحلة أمعن في اختصاره لسبب من الأسباب.