وفاة الرئيس التونسي الأسبق محمد فؤاد المبزع عن عمر ناهز 92 عامًا
أعلنت عائلة الرئيس التونسي الأسبق محمد فؤاد المبزع، مساء اليوم الأربعاء، وفاته عن عمر يناهز 92 عامًا، بعد مسيرة سياسية حافلة امتدت لعقود طويلة، شغل خلالها عدة مناصب حكومية ودبلوماسية، وكان شاهدًا ومشاركًا في أبرز محطات تاريخ تونس الحديث.
شخصية توافقية في لحظة مفصلية
برز اسم محمد فؤاد المبزع بشكل لافت بعد ثورة 14 يناير 2011، عندما تولى منصب رئيس الجمهورية المؤقت إثر فرار الرئيس السابق زين العابدين بن علي وسقوط نظامه، في واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا في تاريخ تونس.
وجاء اختياره من قبل المجلس الدستوري في 15 يناير 2011 ليكون شخصية توافقية تحظى بقبول نسبي من مختلف الأطراف، وهو ما مكنه من قيادة البلاد خلال المرحلة الانتقالية حتى تنظيم أول انتخابات ديمقراطية بعد الثورة.
مسيرة سياسية ثرية ومتنوعة
ولد محمد فؤاد المبزع في 13 يونيو 1933 في العاصمة تونس، وتلقى تعليمه في المدرسة الصادقية التي تُعد من أعرق المؤسسات التعليمية في البلاد، قبل أن ينتقل إلى فرنسا، حيث درس القانون والاقتصاد في جامعة باريس.
بدأ المبزع مسيرته في العمل الحكومي في ستينيات القرن الماضي، وتدرج في عدد من المناصب البارزة، من بينها:
مدير الأمن الوطني بين عامي 1965 و1967.
رئيس بلدية تونس من 1969 إلى 1973.
وزير الشباب والرياضة في عام 1973 ثم مرة أخرى عام 1987.
وزير الصحة في عام 1978.
وزير الشؤون الثقافية والإعلام بين عامي 1979 و1981.
مندوب تونس الدائم لدى الأمم المتحدة من 1981 حتى 1986.
سفير تونس لدى المغرب بين 1986 و1987.
رئيس بلدية قرطاج من 1995 حتى 1998.
رئيس مجلس النواب ورجل البرلمان
في عام 1997، تولى محمد فؤاد المبزع رئاسة مجلس النواب التونسي، المنصب الذي استمر فيه حتى توليه رئاسة الجمهورية المؤقتة في عام 2011، وخلال تلك الفترة، عُرف بقدرته على إدارة الجلسات البرلمانية بحنكة ودبلوماسية، رغم الانتقادات التي كانت توجه إلى المؤسسة التشريعية في ظل النظام السابق.
كما انتُخب عضوًا في مجلس النواب لسبع ولايات متتالية بين عامي 1964 و2004، مما جعله أحد الوجوه البرلمانية المخضرمة في تونس.
استقالة من الحزب الحاكم بعد الثورة
رغم ارتباطه الطويل بحزب التجمع الدستوري الديمقراطي، الذي كان الحاكم في عهد بن علي، فقد بادر المبزع إلى إعلان استقالته من الحزب في 18 يناير 2011، أي بعد ثلاثة أيام فقط من توليه منصب الرئاسة، وذلك في خطوة رمزية تهدف إلى النأي بالرئاسة عن تركة النظام السابق.
واستمر في أداء مهامه كرئيس مؤقت للجمهورية حتى تنظيم انتخابات المجلس التأسيسي في 24 يوليو 2011، والتي أسفرت عن انتخاب الدكتور المنصف المرزوقي رئيسًا جديدًا لتونس.
رجل من جيل الدولة الوطنية
ينتمي فؤاد المبزع إلى جيل السياسيين الذين ساهموا في بناء مؤسسات الدولة الوطنية بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1956، حيث عمل إلى جانب رموز بارزة مثل الحبيب بورقيبة، وتمتع بسمعة طيبة بين زملائه، وكان معروفًا بدماثة أخلاقه وحرصه على التوازن في المواقف.
وشغل عضوية المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الدستوري، ثم لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي، وكان من الشخصيات التي تحظى بثقة واسعة داخل مؤسسات الدولة، ما أهله لتحمل المسؤولية في لحظات دقيقة من تاريخ تونس.
وداع مؤثر وتكريم مستحق
فور إعلان نبأ وفاته، نعت شخصيات سياسية وحزبية الراحل، مشيدة بما قدمه من خدمات لتونس في مختلف المجالات، خاصة خلال المرحلة الانتقالية التي أعقبت الثورة، كما ينتظر أن يتم تشييع جثمانه في جنازة رسمية يشارك فيها عدد من المسؤولين والوجوه الوطنية البارزة.
ويبقى محمد فؤاد المبزع أحد الرموز الهادئة في السياسة التونسية، الذي استطاع أن يجسد نموذجًا للمسؤول الذي يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، ويدخل التاريخ من بابه الهادئ، دون صخب، ولكن بحضور لا يُنسى.
