"المحتوى الهايف"
بقلم - محمد النجار
أتذكر حينما كنت طفلًا استهجان البعض على ما وصفوه بالإسفاف في أفلام الفنان محمد سعد مثل (اللمبي واللي بالي بالك) وإن كان لا يجسد دور البلطجي بالمفهوم الذي نعرفه الآن، وكذلك العديد من الكُتاب الذين استائوا من أغنية (كماننا) _في فيلم إسماعلية رايح جاي_ بدعوى أن هذا انحدار في الفن وخطر على الذوق العام.
كان هذا الإستياء موجود وقتها على هذه الأعمال التي شاهدناها بإستمتاع والتي لم تتجاوز الخطوط الحمراء لمعايير المجتمع، أما الآن ومع انتشار المحتوى الرقمي سواء على وسائل التواصل الإجتماعي أو منصات الفيديو أصبح لدينا سيل كبير من المحتوى الهايف خارج سيطرة الجميع وينتشر كالنار في الهشيم، هذا فضلًا عن المحتوى الذي يقدم الفجور ويثير الغرائز والذي تحاول الأجهزة الأمنية ملاحقة مروجيها ومعاقبتهم ولكن مع كثرة مقدميه أصبح بالفعل لدينا ما يشبه بالبيوت المشبوهة الرقمية يمكن أن توجد داخل كل منزل بسهولة.
منذ فترة كان الإسفاف يسير بالتوازي مع المحتوى التافه والمشبوه في نفس الوقت، فكان الممكن أن تشاهد مقطع تافه على يوتيوب او تيك توك ثم تفتح التلفاز لترى ما يمكن أن تراه من مواد هابطة على المستوى الدرامي والسينمائي والبرامج والغناء، أما الآن فالنبأ السار أن قطاع السينما وإن كان ليس في افضل حالاته فنيا ولكن بدا عليه العودة الى ما قبل الإسفاف، فنستطيع أن نقول أن هناك انحسار في الأعمال التي تقدم البلطجة كنموذج وتبرز القبح وتتخذ من المشاهد الخارجة مادة لجذب المشاهدين كما شاهدنا بعد 2011، وعلى غرار قطاع السينما خاضت نقابة المهن الموسيقية حربا مع أصحاب الأغاني الهابطة للحد من هذه الظاهرة، وبذلك أصبح التحدي يتمثل في المحتوى الهايف والمحتوى المشبوه الذي يُقدَم على المنصات الرقمية كل لحظة بإنتشار رهيب وبفجاجة أكثر، وذلك بسبب عدم تواجد معايير على تلك المنصات توقف بها مقدم هذا المحتوى.
ما يؤرقني هو الإنصراف عن تقدير حجم المشكلة، فأنا لا أتحدث عن وقف هذا الخطر، بل أتواضع في التمني لأرى مبدئيًا القلق الحقيقي من هذا المحتوى على المجتمع، فلا يجب أن ننسى من نحن، فنحن ببساطة أصحاب التاريخ والحضارة ورواد الفكر والإبداع منذ زمن ليس ببعيد، وأعلم أن المقام لا يتسع حتى إلى ضرب أمثلة قليلة في كل مجال كنا نقدم فيه إسهامات شكلت وعي المصريين وكل العرب، ولكن لنتذكر فقط ما كان لدينا من كُتاب في الفكر وعلماء ومؤلفين ومخرجين وممثلين وما كان يقدمه إتحاد الإذاعة والتليفزيون من برامج هادفة تركت أثرًا رائعا جعلنا نتألم الآن مما نراه.
الحل ليس سهلًا ومن غير الممكن للتنظير أن يقدم شيئًا، حيث أنه يتطلب حلول عملية، وحلمي هو أن أرى مقاربة شاملة ومعلَنة يتم التنسيق فيها بين الهيئة الوطنية للإعلام ووزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة ووزارة الشباب والرياضة والأزهر والكنيسة أملًا في أن ننتهي من هذا الكابوس.