هل الموت يوم الجمعة ينجي من عذاب القبر؟
يُعد يوم الجمعة من أعظم الأيام التي ميزها الله تعالى عن سائر أيام الأسبوع، وقد ورد في السنة النبوية الشريفة أن الجمعةهو خير يوم طلعت عليه الشمس، ففيه خُلق آدم عليه السلام، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في الجمعة كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم والإمام أحمد، وهو حديث يوضح مكانة هذا اليوم المبارك الذي يجتمع فيه المسلمون لعبادة الله وسماع خطبة الجمعة، ويحرصون على اغتنامه بالصلاة والدعاء والذكر لما له من فضل عظيم ورحمة واسعة.
أرواح الموتى في ليلة الجمعة
تحدث الدكتور محمد وسام أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية عن فضل الجمعة وما يتعلق بها من أحكام وأسرار روحية، وأوضح أن الميت في ليلة الجمعة ويومها له حال خاص، حيث وردت آثار تشير إلى أن أرواح الموتى تتلاقى في هذه الليلة المباركة، وأن الميت يشعر بزيارة أهله له، فيكون في حالة من الإدراك تختلف عن حاله في الدنيا، مبينًا أن الموت ليس فناءً أو انقطاعًا عن الحياة، بل هو انتقال من عالم إلى عالم آخر، وهو ما يُعرف بالحياة البرزخية، وهي حياة أرقى وأدق إدراكًا مما نعيشه في الحياة الدنيا.
الانتقال إلى الحياة البرزخية
أكد أمين الفتوى أن الحياة البرزخية تمثل مرحلة متوسطة بين الدنيا والآخرة، وهي حياة حقيقية يعيشها الميت في إدراك تام لما يجري حوله، واستشهد بقول الله تعالى «لقد كنت في غفلةٍ من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد»، أي أن الإنسان بعد موته يرى الحقائق بوضوح لم يكن يدركها من قبل، وأشار إلى أن هذا الإدراك يزداد في ليلة الجمعة لما فيها من بركة وفضل عظيم، حيث تتنزل فيها الرحمة ويعم فيها النور، ويشعر فيها الموتى بزيارات ذويهم ودعائهم لهم بالرحمة والمغفرة.
حديث النبي عن سماع الأموات
ولفت الدكتور وسام إلى ما ورد في صحيح البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعد معركة بدر أمر أن يُلقى قتلى المشركين في القليب، ثم وقف عليهم وناداهم بأسمائهم قائلًا «يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، هل وجدتم ما وعد ربكم حقًا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقًا»، فقال له عمر رضي الله عنه يا رسول الله كيف تكلم أقوامًا قد جيفوا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «والذي بعثني بالحق ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون جوابًا»، وهذا الحديث يدل على أن الأموات يسمعون ويدركون الخطاب ولكنهم لا يستطيعون الرد، وهو ما يوضح أن الميت ليس بمعزل تام عن الحياة كما يظن البعض، وأن ليلة الجمعة لها أثر خاص على أرواحهم.
هل الموت يوم الجمعة ينجي من عذاب القبر؟
أوضح الشيخ أحمد وسام مدير إدارة البوابة الإلكترونية بدار الإفتاء أن بعض العلماء ذهبوا إلى أن الموت يوم الجمعة من علامات حسن الخاتمة، مستدلين بحديث النبي صلى الله عليه وسلم «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر»، وهذا الحديث وإن كان مختلفًا في درجته بين العلماء إلا أنه يدل على فضل هذا اليوم المبارك، وبين وسام أن الثواب والدرجات العالية من فضل الله سبحانه وتعالى، ينالها العبد بإخلاص النية وحسن العمل، وأن الموت في الجمعة لا يكون سببًا كافيًا للنجاة إلا إذا وافقه الإيمان الصادق والنية الطيبة.
الجمعة وعلامات حسن الخاتمة
كما تحدث الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عن هذا الموضوع، فقال إنه لا حرج في أن يُقال عن شخص مات في الجمعة إنه من أصحاب حسن الخاتمة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التفاؤل في كل أمر، واستشهد بما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما من مسلم يموت يوم الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر»، مع الإشارة إلى أن هذا الحديث فيه ضعف من جهة الإسناد، لكنه يحمل معنى طيبًا يبعث على الرجاء والتفاؤل بحسن الختام.
الجمعة يوم اجتماع المسلمين وصلاتهم على الميت
وأشار الدكتور علي جمعة إلى أن من فضل الموت في الجمعة أن الناس يكونون مجتمعين في المساجد لأداء صلاة الجمعة، فيكثر عدد المصلين الذين يشهدون جنازة الميت ويصلون عليه، مما يزيد من الدعاء له والرحمة به، وهذا من علامات الخير للمؤمن، كما أن هذا اليوم يجمع بين بركة الزمان وبركة الدعاء، فساعة الجمعة التي يستجاب فيها الدعاء تشمل أيضًا الدعاء للميت بالرحمة والمغفرة.
خلاصة القول في فضل الجمعة
يتضح من كلام العلماء والفقهاء أن الجمعة يوم عظيم له مكانة سامية في الإسلام، وقد خصه الله بفضائل كثيرة منها اجتماع المسلمين على الطاعة والعبادة وقراءة سورة الكهف والدعاء في ساعته المباركة، وأن الموت في هذا اليوم يحمل بشارة حسنة للمؤمن، وإن كان لا يعني حتمية النجاة من عذاب القبر إلا برحمة الله، ففضل الجمعة يظل رحمة إلهية تفيض على الأحياء والأموات على حد سواء، ويبقى التفاؤل بحسن الخاتمة في هذا اليوم من الأمور التي تبعث الأمل في قلوب المؤمنين.
