تأثيرات التغيرات المناخية على الاقتصاد العالمي
بقلم- يوسف سلامة
يعتبر التغير المناخي قضية بيئية هامة وحقيقة علمية ومشكلة عالمية طويلة الأجل، تنطوي على تفاعلات معقدة لها تداعيات سياسية، اجتماعية، بيئية واقتصادية بالدرجة الأولى .ويعزي السبب الرئيسي لظاهرة التغيرات المناخية المستمرة إلى النشاط البشري سوء استغلاله للموارد الطبيعية المتاحة، والذي أدى إلى اختلال التوازن البيئي، ناهيك عن الأسباب الطبيعية الأخري.
كما تشكل التغيرات المناخية إحدي أهم التهديدات للتنمية المستدامة على الدول الفقيرة أكثر منه على الدول الغنية بالرغم من أنها لا تساهم بنسبة كبيرة من إجمالي الانبعاثات الضارة المسببة للاحتباس الحراري، ويعود ذلك إلى هشاشة اقتصاديات هذه البلدان في مواجهة تداعيات التغيرات المناخية بالإضافة إلى قدرات ضعيفة للتكيف مع الوضع.
ومن جهة اخرى، لازالت العديد من اقتصادات دول العالم تعتمد بالأساس على قطاعات رهينة بالظروف المناخية، كالزراعة والصيد البحري واستغلال الغابات وباقي الموارد الطبيعية والسياحية، خاصة وأن الأبحاث العلمية أثبتت أن حتي موارد الطاقة كالبترول وغيرها والتي تعتبر شريان الاقتصاد، هي معرضة وبشدة إلى الزوال بسبب التغيرات المناخية والاستهلاك اللاعقلاني لها، ما يجعل الاقتصاد العالمي في مواجهة تحدي حقيقي.
وعلم الاقتصاد ليس علماً دقيقاً، إلا أن السياسيين يتوقعون من خبراء الاقتصاد أكبر قدر ممكن من الإجابات الدقيقة على أسئلتهم حول التغير المناخي. وعلى وجه التحديد الأسئلة التالية: كم يبلغ حجم الضرر المحتمل؟ وكم تبلغ تكلفة تجنب الضرر أو إبقائه في الحد الأدنى؟ وكان التقرير، المؤلف من 700 صفحة والذي قدمه الخبير الاقتصادي نيكولاس ستيرن نيابة عن الحكومة البريطانية عام 2006 بعنوان "مراجعة ستيرن حول اقتصاديات تغير المناخ" وعلى الرغم من أنه ليس التقرير الاقتصادي الأحدث إلا أنه التقرير الأكثر شمولاً وتأثيراً في محاولة للعثور على إجابة حتى الآن.
ويذكر هذا التقرير أن التغير المناخي هو الأكثر تاثيرا على الاقتصاد وهو أكبر التحديات التي واجهت علماء الاقتصاد أكثر من أي وقت مضي، والاستنتاج الرئيسي وفقاً ستيرن هو أن فوائد الإجراءات المبكرة بشأن التغير المناخي تفوق بكثير التكلفة الاقتصادية اللازمة لذلك، وفقاً للتقرير، فإنه بدون اتخاذ إجراءات، فإن التكاليف الإجمالية لتغير المناخ سوف تعادل خسارة ما لا يقل عن 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي كل عام، سواءً في الوقت الحالي أو في المستقبل. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى توسيع نطاق المخاطر والآثار إلى 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي أو أكثر "إلى أجل غير مسمى "،يقترح التقرير أنه إذا تم استثمار 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي سنوياً لتجنب مساوئ انهيار اقتصادي سيعرفه التاريخ.
وعلى الرغم من اختلاف ردود الفعل على التقرير وانتقاد العديد من الاقتصاديين التقرير واعتبروه "معيب للغاية" إلا أن هناك من اعتبر أن بعض استنتاجاته قد تكون مبررة على أساس أسباب أخرى.
ويفرض علي كل دول العالم الإتحاد من أجل إتخاذ التدابير الملائمة التي تسمح على الأقل بالتكيف مع هذه الظاهرة كون خيار مواجهتها أصبح بعيد عن كل الحسابات البيئية لأن المعطيات المناخية حاليا تشير إلى بقاء أثار هذه التغيرات المناخية ستكون لعدة قرون متتالية.