السقا مات.. وفاة صاحب المهنة الربانية "أشرب بالصلاة على النبي"

كتبت-زينب سعيد
أثار وفاة عم عبد الحميد بكر آخر سقا في مصر، أحزان المصريين، وتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي حكاياته معهم، وأخذوا يرددون أشهر عباراته "أشرب بالصلاة على النبي"، التي كان يقولها عندما كانوا يطلبون منه كوب من الماء، ليروون عطشهم، فكان عم عبدالحميد يمنح العطشان ماءً زلالًا، لكن السقا مات.
حزن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي
سادت حالة من الحزن لدي نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بسبب وفاة أخر الذين أخذوا في سرد العديد من الحكايات عن عم عبدالحميد بكر، الرجل الصعيدي بشوش الوجه، الذي وُلد في اربعينات القرن الماضيفي محافظة أسيوط، كان جده يعمل سقاء، يروي ظمأ العطشى، ووجد عم عبد الحميد ضالته فقرر أن يمتهن مهنة جده السقا.
رفض والد عم عبد الحميد بكر أن يعمل ابنه في مهنة السقا، مهنة جده، لكن عم عبد الحميد أصر، وقام بصنع قربة الماء الخاصة به من جلدالماعز تحفظ الماء ببرودته لفقرة طويلة، فقد كان يريد أن يسقى الناس ماء باردًا ليروي عطشهم.
يسقى الناس مجانًا وعمله رباني
قدم عم عبد الحميد إلي القاهرة، بعد أن تزوج وأنجب 7 من الأبناء، وكان يطلق علي مهنه السقا أنها المهنة الربانية التي لا يستطيع التخلي عنها لأي مهنة أخري، فهو يقوم على سقاية عباد الله مجانًا مرددًا عبارة "أروي عطشك يا عطشان".
لم يكل عم عبد الحميد بكر، آخر سقا في مصر، ولم يمل من عمله "الرباني"، حسبما كان يصفه، فقد كان يستيقظ عم عبد الحميد من الفجر، دأب الصالحين، يصلي الفجر ويبدأ في ملء قربته بالماء، وكان يعطر الماء بماء الورد، ويسير بجوار مسجد الحسين والسيدة نفيسة، فقد كان عم محبًا لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ليسقى العطشا من الزائرين ومحبي آهل البيت.
عم عبد الحميد صاحب الوجه البشوش
كان يمنح كوب الماء للعطشى بدون مقابل، لكنه لا يرفض أو يرد من يمنحه القليل من المال تعبيرًا عن الامتنان، وذلك ما ذكره عم عبد الحميد في أحد لقاءاته "نحن قوم لا نطلب ولا نرفض مثل صندوق ماء مجاني بجوار ثلاجة خاصة، إذا أخذ منها الشخص بدون مقابل فلا بأس، وإن ترك فهذا خير وبركة، لكننا لا نطالبه بشيء أبدا، فلساني أخرس في هذا ويدي مقطوعة عن الطلب مثل أجدادي".
وعرف آخر سقا في مصر بوجههة البشوش، ولسانه العذب، لكنه كان معروف أيضًا بملابسه التي كان لا يرتدي غيرها، جلباب أخضر وعمامة خضراء، وقربة حمراء يحملها في أحد جوانبه، وأكواب فضية اللون.
آخر سقا في مصر
كل من قابل عم عبد الحميد السقا وصفه بأنه رجل جاء من الماضي، ليروي عطش الناس، فملامحه تحمل عبق الزمان الماضي وبراءته، فالشيخ البشوش ذو اللحية البيضاء، كانت تحمل ملامحه طيبة قلما وُجدت في هذا الزمان، وبشاشة وحب لكل الناس.
أمنية آخر سقا في مصر
كان لعم عبد الحميد السقا أمنية وحيدة، يريد أن يختم حياته بحج بيت الله، لكن القدر لم يمكنه من تحقيق أمنيته، فقد توفي أمس، رابع أيام عيد الأضحى المبارك، لكنه ترك أثرًا بالغًا من الحزن داخل نفوس كل من عرفه، وبقلوب حزينة أخذوا يرددون "السقا مات".
النشطاء ينعون آخر سقا في مصر
أثار وفاة آخر سقا في مصر عم عبد الحميد حالة من الحزن الشديد لدي نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، وكل من عرفه، فها هي هندعجمي تردد ما كان يقوله عم عبد الحميد "نحن قوم لا نطلب ولا نرفض.. توفي صاحب تلك المقولة العظيمة عم عبد الحميد اخر سقا في مصر بعد ما انقرضت تلك المهنة بدخول المياه الي البيوت المصرية، كان عم عبد الحميد يرث تلك المهنة عن ابوه وجده"
وحكت هند عجمي عن عم عبد الحميد فقالت: "عم عبد الحميد بكر من مواليد محافظة اسيوط أب لأربعة ذكور وثلاثة بنات احداهن مريضة بتأخر في القدرات العقلية، يأتي دائما بقربته الشهيرة المصنوعة من جلد الماعز والتي كان يصنعها بنفسه حيث تحوي 40 لتر من الماء المعطر بالنعناع وماء الورد فكان يقوم بسقية الناس بجانب أولياء الله الصالحين وعند رؤيته كان يتسارع الناس للشرب من الماء لحلاوة مذاقه، وكان لا يطلب منهم المال ولكن اذا ترك احد اه مال كان يعتبره خير وبركة... رحم الله عم عبد الحميد وساقاه من أنهار الجنة"
رجل من زمان اخر
أما محمد إبراهيم فعبر عن حزنه لوفاة عم عبد الحميد فقال: " في ذمة الله الشيخ عبد الحميد السقا، اخر سقا في مصر، عندما تراه تشعر انك مع رجل من زمان اخر طيب الخلق بشوش الوجه سمح اللسان جميل المنطق.. عندما تشرب من يده يقول لك "أشرب بالصلاة علىالنبي" صل الله عليه وسلم، وهو وارث هذا الحال عن أجداده سقا آل البيت. رحمه الله ورضى عنه وجعله فى معية من كان محبًا لهم."
وحكي عنه محمد الورداني "انا لله وإنا إليه راجعون رحل اطيب خلق الله... رحل اخر سقا في مصر وداعآ يا عم عبد الحميد...اخر طلب طلبته بشدة وباصرار انك تروح الحج وتشبست بهذا الطلب وكانك تعلم انك راحل في هذه الايام المباركه....وسامحني الطلب كان صعب ولكن وفاتك في بيت اهل البيت كما كنت تعشقهم فرحلت بجوارهم وجعت قلبي."
حلم عم عبد الحميد الأخير لم يتحقق
وعن أمنية عم عبد الحميد قال الورادني "ربنا كرمك بالعمرة اللي تمنيتها الحمدلله.. وكان حلم الحج هيتحقق ولكن لم يشاء الله لذلك لسبب هذكره بعدين"
حكاية مهنة السقا في مصر
حكاية السقا في مصر بدأت منذ قديم الأزل، منذ أكثر من ألف عام، فقد كان السقاءون أصحاب حرفة لهم طائفة ورئيس، ولكي يتم قبول السقا عضوًا في طائفة السقائين، كان عليه أن يجتاز اختبارًا خاصًا يثبت به جدارته وقدرته الجسدية على تحمل مشاق المهنة.
وفاة آخر سقا في مصر
تُوفي آخر سقا في مصر، عم عبد الحميد بكر، عن عمر ناهز 80 عامًا، وقد اشتهر بحمله قربة ماء على ظهره وبها كمية ليست بالقليلة من ماء الورد، وكان ماءه ذو مذاق خاص، لدرجة أن الناس كانت تُقبل عليه فور رؤيته في الموالد والاحتفالات خاصة في حي الحسين والسيدة نفيسة.