استغلال الأراضي في مصر "فترة الحكم العربي "
بقلم: وليد محمود
بعد دخول العرب تغيرت تسميه الأقسام إلى الكور، كما أطلق على الوجه البحري أسفل الأرض وعلى الوجه القبلي اسم الصعيد، وفى الوجه البحري تغيرت تسمية القسم الشرقي من أوجستامينيك إلى الحوف، وأصبح يضم 14 كوره بدلا من 13 قسم.
كما تغيرت تسمية القسم الغربي من مصر هيراقيا إلى الريف، وأصبح يضم 31 كوره بدلا من 20 قسم. وفى الصعيد خفضت عدد الكور إلى 30 كوره بدلا من 32 قسم.
وفي عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله أعيد تقسيم مصر إداريا إلى وحدات كبيره بلغت 23 كوره في الوجه البحري بدلا من 46 كوره صغيره، وتسعة كور في الوجه القبلي بدلا من 30 كوره صغيره ليبلغ إجمالي عدد الكور 32 كوره كبيره.
وفى عهد الأيوبيين أضيفت كورتين جديدتين هما الدنجاوية والكفور الشاسعة ليبلغ إجمالي عدد الكور 34 كوره.
أما عدد قرى مصر فقد بلغ 2148 قريه، من بينها 1601 قريه في الوجه البحري و547 قريه في الوجه القبلي، بخلاف الثغور.
وفي عهد المماليك أصدر الملك الناصر محمد بن قلاوون مرسوما بفك زمام القطر المصري فيما عرف بالروك الناصري، وكان ذلك في عام 1315م.
وفى هذا الروك تم تعديل تسمية الكور إلى أعمال وضُمت المرتاحيه إلى الدقهلية، وظهرت الغربية لتضم كافة كفور الإقليم الأوسط عدا المنوفية، كما ضُم حوف رمسيس والكفور الشاسعة إلى البحيرة، وضُمت الفاقوسية إلى الشرقية، وجزيرة بنى نصر إلى المنوفية، كما تغير اسم الإيوانية إلى ضواحي ثغر دمياط، وظهرت ضواحي القاهرة وضواحي الإسكندرية.
وعلى ذلك أصبح الوجه البحري مكونا من 12عملا والوجه القبلي من تسعة أعمال ليصبح الإجمالي 21عملا.
وقد بلغ عدد قرى الوجه البحري في هذا الروك 1637 قريه، وعدد قرى الوجه القبلي 679 قرية ليصبح إجمالي عدد قرى مصر 2316 قرية بزيادة قدرها 68 قرية عن زمن الفاطميين.
الإدارة المركزية تحت الحكم العربي
تمثلت قمة الإدارة المركزية في شخص الوالي الذي يعد ممثلا لخليفة المسلمين، وأطلق عليه أمير مصر، كما أطلق عليه أمير الصلاة لأنه يؤم المصلين في المسجد الجامع.
ويمارس الوالي سلطاته من خلال مجموعة كبيره من الدواوين، ويساعده عدد من كبار الموظفين الذين يعينون من قبله أو من قبل الخليفة، فكانت المسئولية المالية على سبيل المثال محل نزاع دائم، حيث تولاها الوالي أحيانا وتولاها أفراد آخرون أحيانا أخرى. وربما كان الخلاف بين عمرو بن العاص أول ولاة مصر وبين الخليفة عثمان بن عفان أبرز دليل على ذلك، فعندما أراد عثمان أن يولى عبد الله بن سعد على خراج مصر رفض عمرو ذلك وقال [أنا كماسك البقرة بقرنيها وآخر يحلبها] ومن ثم ترك ولاية مصر، وعندما عاد إليها زمن الخليفة الأموي معاوية بن أبى سفيان تولى صلاة مصر وخراجها إلى أن توفى.
وعرف المسئول المالي باسم عامل الخِراج أما منصب صاحب الشرطة فكان لا يقل أهمية عن عامل الخراج حيث كان مسئولا عن الحفاظ على الأمن، ورغم أن الوالي هو الذي يعين صاحب الشرطة إلا أنة في أحيان كثيرة كان يعين من قبل الخليفة حيث كان يعد الرجل الثاني في الولاية، وغالبا ما كان يلي الوالي في حال وفاته أو عزله.أما صاحب البريد فقد اكتسب أهمية كبيره مع اتساع الدولة الأموية حيث كان مسئولا عن نقل الرسائل المتبادلة بين دار الخلافة ودار الإمارة
وازدادت أهميته زمن الدولة العباسية حيث كان بمثابة عين الخليفة في مصر، وكان صاحب الإنشاء ذو حظوة كبيره فهو كاتب الوالي أو الخليفة والمؤتمن على أسرار المكاتبات.
ويعد صاحب بيت المال بمثابة وزير الخزانة، حيث يخزن أموال الولاية ويفرج عنها بناء على تعليمات الوالي. وفى عهد الدولة الطولونيه ظهر منصب الحاجب وهو يعادل منصب كبير الأمناء حاليا، ويعد نسيم الخادم أول من تولى هذا المنصب في عهد أحمد بن طولون
كما كان عمران بن فارس أول حاجبا للإخشيد. وفى عهد الدولة الإخشيدية ظهر منصب الوزير وكان أول من تولاه العزيز جعفر بن الفرات عام 355هـ/966م في عهد كافور الإخشيدي، أما أول وزير عرفته الدولة الإسلامية فكان أبو سلمه حفص بن سليمان عام 40هـ/661م في بداية حكم الدولة الأموية.
وهذا المنصب يعادل منصب رئيس الوزراء حاليا وكان يعد رئيس السلطة التنفيذية، وقد اكتسب الوزراء أهمية كبيره في عهد الدولة الفاطمية مما دفع صلاح الدين الأيوبي إلى إنشاء منصب نائب السلطان بغرض الحد من نفوذهم وكان نائب السلطان يقوم بنيابة الغيبة أي تولى مهام السلطان عند غيابه(2).
وفي العهد المملوكي، وفى عام 727هـ ألغى السلطان الناصر محمد بن قلاوون كل من منصبي الوزير ونائب السلطان، واستحدث وظيفة ناظر الدولة الذي كان له أمر تحصيل المال وصرف المصروف، والمشاركة في تحصيل الخِراج الخاص بالبلاد المقررة لدواوين الدولة،
كما كان له الإشراف على حسابات الدولة ورواتب أرباب القلم وعلماء الدين. وفى عهد المماليك حظي المُحتسب بأهمية كبيره حيث أضيفت إليه سلطات الإشراف على تطبيق الشرع بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
بالإضافة إلى مهامه الرئيسية وهى الإشراف على الموازين والمكاييل في الأسواق، وكان هناك محتسبان بالعاصمة: الأول، وهو أجلهما وأرفعهما شأناً وهو مُحتسب القاهرة، وله التحدث في الوجه البحري كله عدا الإسكندرية التي كان لها مُحتسب خاص بها.
والثاني، هو مُحتسب مصر "الفسطاط" الذي يُشرِف على نواب الوجه القبلي بأكمله، وكان للمحتسب مساعدين له في المدن الكبرى. أما كاشف الجسور فكان من أهم رجال الإدارة المركزية، وكان يُعرف أيضاً باسم "كاشف التراب"
وكانت مهمته الإشراف على الجسور السلطانية، وهي الجسور الكبيرة ذات النفع العام، وقد جرت العادة على التجهيز لصيانة هذه الجسور سنوياً حيث يٌقرر ما على القرى القريبة من الجسور من التزامات.
ثم نأتي لقاضي قضاة البلاد الذي قام صلاح الدين الأيوبي بإلغاء المذهب الشيعي بعزل جميع قضاة الشيعة عام 567هـ الموافق 1171م، وتعيين قاضي القضاة الشافعي صدر الدين بن درباس الذي قام بتعيين جميع نوابه في البلاد من المذهب الشافعي.
وتغير الحال في عهد الظاهر بيبرس عام 660هـ الموافق 1262م حيث كلف قاضي القضاة الشافعي بتعيين ثلاثة نواب عنه من المذاهب الثلاثة الأخرى: الحنفي، المالكي، والحنبلي، بالإضافة إلى نوابه الشافعية في العاصمة والأقاليم.
وفي عام 663هـ الموافق 1265م تم لأول مرة تعيين قاضي قضاة لكل مذهب فكان هناك قاضي قضاة حنفي، وثاني مالكي، وثالث حنبلي، وأصبح من حقهم تعيين نواب لهم في الأقاليم. استغلال الأراضي بعد دخول العرب يعد دخول العرب مصر حدثاً بالغ الأهمية بالنسبة للتاريخ المصري، حيث ترتب عليه مجموعة من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي نتجت من التفاعل بين الثقافة الجديدة الوافدة من شبه الجزيرة العربية بسماتها الرعوية وبين الثقافة المصرية القديمة بسماتها الزراعية، إلا أنه بعد تعريب مصر جرت مياه كثيرة في نهر الحضارة المصرية. وللتعرف علي التغيرات الجديدة كان لابد من تتبع السياق التاريخي باستخدام التقسيم الشائع لهذه الفترة الزمنية الطويلة. حيث يقوم علماء التاريخ بتقسيم هذه الفترة منذ دخول العرب حتى دخول العثمانيين والتي تبلغ نحو 876 عاما إلى ثلاثة عهود هي: عهد الولاة: ويتميز بالانتشار التدريجي للإسلام من جهة، وبتعريب مصر من جهة ثانية، فضلا عن تبعية مصر للخلافة الإسلامية في المدينة أو في دمشق أو في بغداد. وإذا كان عهد الولاة قد انتهي باستقلال مصر تحت لواء الدولة الطولونية والدولة الإخشيدية، إلا أن الباحث المدقق يشعر دائما بأن هناك خيوطا ظلت تربط مصر بالخلافة العباسية حتى وإن كانت خيوطا واهية. عهد الدولة الفاطمية: وفيها يشعر المؤرخ بأن مصر غدت لأول مرة منذ الفتح العربي مستقلة تماما عن أية سلطة خارجية وأنها صارت مقرا لخلافة جديدة قائمة بذاتها تدين بالمذهب الشيعي. عهد الأيوبيين والمماليك: ويتميز باستعادة مصر وجهها السني، وبتطور واضح في مكانة مصر السياسية والحضارية، هذه التغييرات التي بدأت مع قيام الدولة الأيوبية وظلت تنمو خلال دولة المماليك مما يجعل هاتين الدولتين عهد متكامل في تاريخ مصر.