السبت 12 يوليو 2025 الموافق 17 محرم 1447
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

عملة مزيفة.. واقتصاد حقيقي: كيف دعمت النقود المقلدة روما في أصعب أوقاتها؟

عملة مزيفة
عملة مزيفة

«عملة مزيفة».. بينما يرى كثيرون أن التزوير دوما فعل إجرامي، تكشف دراسة حديثة نشرت في مجلة «فيجيتا» عن وجه آخر للعملة المزيفة، دور غير متوقع لكنه محوري، في دعم اقتصاد الإمبراطورية الرومانية خلال لحظات انهيارها التدريجي في القرنين الرابع والخامس الميلاديين، الدراسة، التي ركزت على منطقة تيريتوريوم جيروندينسيس، الواقعة شمال شرق إسبانيا، تفتح الباب أمام إعادة قراءة تاريخ الاقتصاد في فترات الانهيار، وتعيد الاعتبار إلى النقود التي كانت في نظر البعض مزورة، لكنها حافظت على دوران عجلة السوق.

أزمة عملة.. وأزمة دولة

واجهت الإمبراطورية الرومانية خلال تلك الفترة أزمات مركبة؛ حروب أهلية وغزوات خارجية، وفساد إداري عرقل عمليات سك العملة الرسمية وتوزيعها. 

ومع تراجع قدرة روما على إصدار عملة نقدية كافية، بدأ الاقتصاد المحلي يعاني من نقص حاد في السيولة، ما دفع المجتمعات المحلية إلى ابتكار حلول غير تقليدية لضمان استمرار حركة البيع والشراء.

كانت النتيجة الطبيعية لذلك أن بدأت تنتشر العملات المزيفة، أو لنقل بشكل أدق «المقلدة»، والتي حاولت محاكاة العملات الرسمية من حيث الشكل والمضمون، لكنها اختلفت عنها في المادة والجودة، هذه النقود لم تكن وسيلة للخداع بقدر ما كانت محاولة إنقاذ اقتصادي، كما تؤكد الدراسة التي أعدها الباحث مارك بوزاس ساباتر من جامعة جيرونا.

عملة مزيفة أم ضرورة اقتصادية؟

الدراسة قامت بتحليل 185 قطعة نقدية مزيفة تم العثور عليها في مواقع أثرية مختلفة، من مدن مثل إمبوريس وحتى القرى الريفية كفيلاوبا. 

وتبين أن معظم هذه العملات كانت صغيرة الحجم وخفيفة الوزن، مقارنة بالنقود الأصلية، فعلى سبيل المثال، بلغ متوسط وزن العملة البرونزية الرسمية 1.65 جرام، بينما لم تتجاوز العملات المزيفة جرامًا واحدًا في كثير من الحالات.

كما تميزت هذه القطع بتصاميم باهتة، وملامح غير دقيقة لأباطرة روما، مع رموز مثل الجندي الذي يطعن فارسًا بربريًا، وهو رمز شائع لانتصار الدولة، تم نسخه بطرق بدائية.

لكن رغم هذه العيوب، جرى تداول هذه العملات على نطاق واسع، بل وصلت أحيانًا إلى أسواق الممالك البربرية مثل الوندال، وهو ما يدل على أنها أصبحت مقبولة شعبيًا، وربما ضمنيًا من السلطات التي لم تعد قادرة على تلبية حاجة السوق.

نوعان من التقليد.. وغض طرف رسمي

تميزت الدراسة بين نوعين من العملات المقلدة:

عملات بدائية، صنعت محليًا باستخدام قوالب بسيطة ومواد زهيدة، وكانت موجهة أساسًا لتسهيل التبادل التجاري اليومي، دون نية للإضرار.

عملات مزيفة «احترافية»، وهي التي صنعت بعناية بهدف تقليد الأصل تمامًا، إلا أنها كانت نادرة في المنطقة موضوع الدراسة.

الغريب أن السلطات الرومانية، المعروفة بقوانينها الصارمة، غضّت الطرف عن هذه الممارسة، في ظل غياب البدائل. فندرة العملة الرسمية دفعت حتى الحكام إلى التساهل مع «المزيف النافع»، لأن التمسك بالقانون حينها كان يعني تجميد السوق بالكامل.

كنوز من زمن الانهيار

من أهم ما توصلت إليه الدراسة، هو اكتشاف «كنز نقدي» في موقع سانتا مارغاريدا دي إمبوريس، تضمن خليطًا من العملات الرسمية، والمقلدة، وحتى بعض العملات البربرية. هذا المزج في الاستخدام يؤكد أن العملات المزيفة لم تكن بديلة مؤقتة فحسب، بل ركيزة دائمة في بنية السوق حتى بعد انهيار الإنتاج الرسمي.

اقتصاد لا يموت بسهولة

تكشف الدراسة أن الاقتصاد الروماني في الغرب لم ينهَر فجأة، بل قاوم طويلًا بوسائل غير تقليدية. فاستمرار تداول العملات، حتى وإن كانت مقلدة، يعني أن الناس لا تزال تشتري وتبيع، وتعيش وفق منظومة نقدية رغم كل شيء.

 كما أن التزوير لم يكن يطال العملات الذهبية أو العالية القيمة، بل العملات النحاسية الصغيرة، ما يدل على أن الفقراء وصغار التجار هم من كانوا أكثر احتياجًا لهذه النقود.

هل نعيد النظر في التزوير؟

لا تحاول الدراسة تبرير التزوير، لكنها تدعو إلى فهمه ضمن سياقه التاريخي. ففي أزمنة الانهيار، قد لا تكون قوانين الدولة كافية لضمان الحياة الاقتصادية، فيضطر الناس لصنع نظامهم النقدي الخاص.

وفي ظل عالم اليوم، حيث الأزمات الاقتصادية تتكرر، والتضخم ينهش العملات، قد تكون قصة «النقود المزيفة» في الإمبراطورية الرومانية أكثر من مجرد درس تاريخي، بل تذكير بأن الاقتصاد لا يُقهر بسهولة، وأن الناس دائمًا يجدون وسيلة للبقاء.

تم نسخ الرابط