الشتاء غنيمة العابدين: 4 عبادات مستحبة لا تضيعها
مع حلول فصل الشتاء، الذي يلوح في الأفق في صورة طقس بارد وصقيع، يشهد المسلمون في مصر والعالم الإسلامي عودة لفتاوى الشتاء التي تناقش أفضل الأعمال التي يمكن للإنسان أن يؤديها خلال هذه الفترة التي يصفها العلماء بأنها “غنيمة”، فالبرد القارس الذي يسيطر على البلاد يجعل العديد من الناس يتساءلون عن كيفية استغلال هذا الطقس لصالحهم في طاعة الله.
الشتاء، كما يقال، “غنيمة العابدين”؛ فالفصل الذي ينخفض فيه الحرارة ويطول فيه الليل، يوفر للمؤمن فرصة عظيمة للعبادة والقيام بأعمال تقربه إلى ربه، وهي فرصة لا يجب أن تهدر، إذ يذكر العلماء أن الشتاء هو موسم للرحمة والمغفرة، خاصة في ظل ما يقال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وصف هذا الموسم بـ ”ربيع المؤمن”، فهذا الفصل يوفر العديد من الفرص الروحية التي يمكن استثمارها في التوبة والقيام بأعمال بر، بدءًا من الصلاة والصيام وصولًا إلى الأعمال الخيرية.
أهمية العبادة في فصل الشتاء
تعتبر العبادة في فصل الشتاء من أفضل العبادات التي يمكن أن يقوم بها المؤمن. ففي حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ورد في “حلية الأولياء وطبقات الأصفياء”، يقول: “ألا أدلكم على غنيمة باردة؟” ثم يجيب عن سؤاله قائلاً: “الصيام في الشتاء”، فالصيام في هذا الفصل يختلف عن صيام باقي فصول السنة، حيث إن الجو البارد يخفف من مشقة العطش، مما يجعل الصوم أكثر سهولة على المؤمن.
ويستفيد المؤمن في هذا الوقت من الليل الطويل حيث يمكنه الإكثار من قيام الليل وقراءة القرآن، فيزداد في هذا الموسم حبًا لله ورغبة في قربه، ويُقال إن الشتاء هو الوقت الأمثل لتصفية النفس وتكثيف الطاعات، حيث يتيسر قيام الليل وصلاة الفجر في جو هادئ وبارد.
أعمال مستحبة في الشتاء
وقد أشار العديد من العلماء في وقت سابق إلى أن الشتاء هو موسم الأعمال الصالحة، وهناك العديد من الأعمال التي حثنا الإسلام على القيام بها في هذا الوقت، فقد أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية في منشور له أن هناك أربعة أعمال رئيسية يمكن للمؤمن أن يكثر منها في الشتاء، وهي:
1.التصدق بالأغطية والملابس الثقيلة: مع برودة الطقس، يصبح من الضروري أن يساهم المسلم في إغاثة المحتاجين وتقديم المساعدات للأشخاص الذين يعانون من شدة البرد، فالتصدق ببطانية أو معطف ثقيل يعتبر من الأعمال المستحبة في هذا الفصل.
2.إصلاح أسطح المنازل: الشتاء موسم الأمطار، مما يجعل سقف المنزل عرضة للتسربات، لذا فإن إصلاح أسطح المنازل لضمان عدم تسرب الماء يعتبر من الأعمال التي حث عليها الشرع من باب العناية بالأسرة والمجتمع.
3.المساهمة في إيواء الضعفاء: تقديم المساعدة للفقراء والضعفاء من خلال توفير مأوى أو وسائل تدفئة يعد من أسمى الأعمال في هذا الفصل.
4.الدعاء والتضرع إلى الله: المطر هو وقت الاستجابة، فالدعاء في هذه الأوقات يكون مستجابًا بإذن الله، ويستطيع المؤمن أن يدعو بما شاء من خيرات الدنيا والآخرة.
حكمة الصيام في الشتاء
وفيما يتعلق بالصيام في الشتاء، فقد أشارت دار الإفتاء المصرية إلى فضل هذا العبادة في هذا الفصل، مؤكدة أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه الصيام في الشتاء بالغنيمة الباردة، أي أنه عمل سهل ولا يتطلب مشقة كبيرة مقارنة بالصيام في الصيف، فقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح: “الغنيمة الباردة الصيام في الشتاء”، ومن ثم يُستحب الإكثار من الصيام في هذه الأوقات، وخاصة صيام يومي الاثنين والخميس، وصيام أيام البيض.
الدعوة للتكافل الاجتماعي في فصل الشتاء
ولا يقتصر فضل الشتاء على العبادة فقط، بل يمتد ليشمل الجوانب الاجتماعية والإنسانية، فقد أكد الإسلام على أهمية التكافل الاجتماعي، وخاصة في هذا الفصل القاسي الذي يعاني فيه الكثير من الناس من البرد الشديد، من هذا المنطلق، أوصى العلماء بضرورة الاهتمام بالآخرين، لا سيما الجيران الفقراء الذين قد لا يجدون وسائل تدفئة كافية، لذا فإن تقديم المساعدة لهم من الأمور التي ترفع من درجات المؤمن في الدنيا والآخرة.
ويُستحسن أن يتحرى المسلم في هذا الفصل حاجات من حوله، سواء كان جارًا فقيرًا أو شخصًا محتاجًا، ويقدم لهم الدعم المادي والمعنوي ليخفف عنهم معاناتهم.
أجر صلاة الليل في الشتاء
أما عن قيام الليل في الشتاء، فقد ورد في الحديث الصحيح عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: “إن الله ليضحك إلى رجلين: رجلٌ قام في ليلةٍ باردة من فراشه ولحافه ودثاره فتوضأ، ثم قام إلى الصلاة، فيقول الله عز وجل لملائكته: ما حمل عبدي هذا على ما صنع؟ فيقولون: ربنا رجاء ما عندك، وشفقةً مما عندك، فيقول: “فإني قد أعطيته ما رجا، وأمنته مما يخاف”، هذه هي العجائب التي ينالها العبد عندما يحرص على أداء صلاة الليل في أوقات الشتاء القارسة.
إن فصل الشتاء لا ينبغي أن يُعتبر مجرد موسم بارد، بل هو فرصة ذهبية للمؤمن ليضاعف من عمله الصالح ويغتنم بركاته، إن الاعتماد على الدعاء، والصيام، والتصدق، والإكثار من العبادة في هذا الفصل يجعل المؤمن أقرب إلى ربه، ويكسبه الأجر العظيم في الدنيا والآخرة.