إذا كانت أقدارنا مكتوبة.. فلماذا يحاسبنا الله؟.. المفتي يجيب

تناول الدكتور نظير عياد، مفتي الديار المصرية، قضية القضاء والقدر، موضحًا أن مسألة الجبر والاختيار شغلت عقول البشر على مدار التاريخ، حيث كان الجدل حول هذه القضية محورًا للعديد من النقاشات الفكرية والفلسفية، وأكد أن الإنسان بطبيعته يشعر بإرادته الحرة عند اتخاذ القرارات وهو ما لا يمكن إنكاره، مما يثبت أنه ليس مجبرًا على أفعاله، بل يمتلك القدرة على الاختيار.
الإنسان يملك الإرادة الحرة في قراراته
أوضح مفتي الجمهورية خلال حلقة برنامج حديث المفتي أن أي شخص عندما يُقبل على فعلٍ ما، فإنه يمر بعدة مراحل، حيث يفكر في الأمر ويوازن بين الخيارات المتاحة، ثم يتخذ قراره وفقًا لقناعته الشخصية، وهذا يؤكد أن الإنسان مسؤول عن أفعاله وليس مسيّرًا بشكل كامل، وأضاف أن حرية الاختيار هذه تظهر في حياة الإنسان اليومية، سواء في اتخاذ القرارات البسيطة أو المصيرية.
مغالطة فكرة أن الإنسان مجبر على أفعاله
رفض الدكتور نظير عياد الفكرة التي تدعي أن الله قدّر على الإنسان كل شيء ثم يعاقبه عليه، معتبرًا ذلك مغالطة كبيرة لا تستقيم مع عدل الله وحكمته، واستشهد في ذلك بالقوانين الوضعية التي تحكم المجتمعات، حيث تُفرض ضوابط وعقوبات على الجميع، ومع ذلك لا يستطيع الشخص المخالف أن يدّعي أن القانون أجبره على ارتكاب الخطأ، وهذا ينطبق على العلاقة بين الإنسان وأفعاله، إذ يمتلك كامل الحرية في الاختيار، لكنه يتحمل مسؤولية قراراته وعواقبها.
دور العقل والرسالات السماوية في توجيه الإنسان
أكد مفتي الجمهورية أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وميّزه بالعقل، ولم يتركه دون هداية، بل أرسل إليه الرسل، وأنزل الكتب السماوية ليكون على بيّنة من أمره، وبالتالي فإن الإنسان لديه القدرة على التمييز بين الخير والشر، كما أشار إلى قول الله تعالى “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي”، موضحًا أن هذه الآية تؤكد أن الإنسان حر في اختيار طريقه، لكن اختياره يستوجب تحمّل المسؤولية الكاملة عنه.
علم الله المطلق لا يعني إجبار الإنسان على أفعاله
أوضح الدكتور نظير عياد أن علم الله سبحانه وتعالى المطلق بكل ما سيحدث في المستقبل لا يعني أن الإنسان مجبر على أفعاله، بل هو كشف مسبق لما سيختاره الإنسان بحرية تامة، مشيرًا إلى أن الله يعلم كل شيء بعلمه الأزلي، لكنه لم يُجبر أحدًا على سلوك معين، بل منح الإنسان حرية الاختيار ووضع أمامه الطريقين، فمن شاء أن يسلك طريق الخير فله ذلك، ومن أراد طريق الشر فهو مسؤول عن قراره.
الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان
اختتم مفتي الجمهورية حديثه بالتأكيد على أن الإيمان بالقضاء والقدر ركن أساسي من أركان الإيمان، موضحًا أن الله سبحانه وتعالى لا يحاسب العبد إلا على ما قام به بإرادته واختياره، وليس على شيء فُرض عليه، واستشهد بقول الله تعالى “من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد”، مؤكدًا أن العدل الإلهي يقتضي محاسبة الإنسان على أفعاله التي ارتكبها بإرادته، وليس على أمور خارجة عن نطاق اختياره.
وأشار إلى أن فهم القضاء والقدر بشكل صحيح يساعد الإنسان على تحقيق التوازن النفسي والروحي، حيث يدرك أن لديه حرية الاختيار لكنه في نفس الوقت يؤمن بأن كل ما يحدث في الكون هو بإرادة الله، مما يجعله أكثر رضا وثقة في تدابير الله، كما أن الإيمان بالقضاء والقدر لا يتعارض مع السعي والعمل، بل على العكس، يدفع الإنسان إلى بذل الجهد واتخاذ القرارات الصائبة مع اليقين بأن الله هو المدبر لكل شيء.
الفرق بين القضاء المحتوم والقدر القابل للتغيير
تطرق المفتي إلى الفرق بين القضاء المحتوم والقدر القابل للتغيير، موضحًا أن هناك أمورًا مقدرة لا يمكن تغييرها، مثل الموت أو بعض الأحداث الكبرى التي تقع وفق مشيئة الله، لكن هناك أمورًا أخرى يمكن للإنسان أن يؤثر فيها بسعيه وعمله، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يرد القدر إلا الدعاء”، مما يدل على أن هناك أقدارًا يمكن تغييرها بالسعي والاجتهاد والدعاء، وهذا يعزز فكرة أن الإنسان ليس مسلوب الإرادة بل لديه القدرة على التأثير في مستقبله.
أكد الدكتور نظير عياد أن الفهم الصحيح لمسألة القضاء والقدر يزيل الكثير من اللبس والتساؤلات التي قد تراود البعض، موضحًا أن الإسلام يرسّخ مبدأ المسؤولية الفردية مع الإيمان الكامل بأن كل شيء يسير وفق مشيئة الله، كما شدد على ضرورة العمل والسعي في الحياة، وعدم اتخاذ القضاء والقدر حجة للتقاعس أو تبرير الأخطاء، مشيرًا إلى أن الله عادل لا يظلم أحدًا، ولا يحاسب الإنسان إلا على ما قام به بإرادته واختياره.