معنى الحديث القدسي إلا الصوم فإنه لي.. ولماذا اختص الله رمضان بالفضل؟

مع حلول شهر رمضان يتساءل الكثير عن ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحديث القدسي: “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”، وقد أثار هذا الحديث تساؤلات كثيرة حول السبب في تخصيص الصوم بأنه لله وحده دون سائر العبادات، وبيان فضله ومكانته العظيمة عند الله تعالى.
العبادات في رمضان
وأوضحت دار الإفتاء المصرية أن الله سبحانه وتعالى اختص الصوم بإضافته لنفسه دون غيره من العبادات لعدة أسباب ووجوه، منها أن الصوم عبادة خفية لا يراها إلا الله، حيث يمكن للعبد أن يمتنع عن الطعام والشراب أمام الناس ولكنه في خلوته مع نفسه قد يفطر دون أن يشعر به أحد، لذلك فهو عبادة تتسم بالإخلاص الكامل لله وحده.
كما أن الصوم لا يقع فيه الرياء مثل باقي العبادات الظاهرة، مثل الصلاة أو الزكاة، فهو سر بين العبد وربه، مما يجعله عبادة خالصة تقوي علاقة العبد بربه وتزيد من إخلاصه، وذكرت الإفتاء أن الله سبحانه وتعالى هو المتفرد بعلم جزاء الصائم وثواب صومه، حيث أن الصيام من الأعمال التي يضاعف الله أجرها بغير حساب.
وأشارت الإفتاء إلى أن الصيام لم يُعبد به غير الله، بمعنى أنه لم يُقدم لغير الله عز وجل كما فعلت بعض الأمم السابقة في عباداتهم، ولهذا خصه الله تعالى بالإضافة إلى نفسه، كما أن الصوم هو العبادة الوحيدة التي لا يقتص بها يوم القيامة في حقوق العباد، حيث تكون جميع الأعمال عرضة للقصاص إلا الصوم، فهو لله وحده ولا يُقتص منه.
وأضافت أن الصائم عندما يمتنع عن الطعام والشراب فإنه يتقرب إلى الله بما يوافق صفاته من الغنى عن الحاجات المادية، لذلك كان من المناسب أن يُضاف الصيام إلى الله تكريمًا وتشريفًا لهذه العبادة العظيمة.
لماذا اصطفى الله شهر رمضان من بين الشهور الهجرية؟
اختص الله سبحانه وتعالى شهر رمضان بمزايا وفضائل لا توجد في غيره من الشهور الهجرية، ومن أعظم هذه الفضائل أنه الشهر الذي أُنزل فيه القرآن الكريم، كما جاء في قوله تعالى:
“شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ” (البقرة: 185).
وقد أوضح الإمام ابن كثير في تفسيره أن الله تعالى يمدح شهر رمضان ويكرمه لأنه الشهر الذي اختاره لإنزال القرآن الكريم، والذي يُعد معجزة خالدة وهدى للناس، وبيَّن ابن كثير أن جميع الكتب السماوية أُنزلت في هذا الشهر المبارك، حيث روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان” (رواه الإمام أحمد).
وذكر ابن كثير أن الصحف والتوراة والزبور والإنجيل نزلت جملة واحدة على أنبيائها، أما القرآن الكريم فقد نزل جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم بدأ نزوله مفرقًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم على مدار ثلاث وعشرين سنة حسب الوقائع والأحداث.
فضائل شهر رمضان وخصوصيته عند الله
يتميز شهر رمضان بعدة فضائل جعلته أعظم الشهور عند الله، ومن هذه الفضائل أن الله خصه بليلة القدر، وهي ليلة خير من ألف شهر، حيث قال تعالى:
“إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ” (القدر: 1).
وهذه الليلة المباركة تُغفر فيها الذنوب وتُكتب فيها الأقدار للسنة المقبلة، ولها مكانة عظيمة عند الله، ومن قامها إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه.
كما أن الصيام في هذا الشهر يُعد سببًا للتقرب إلى الله ونيل مغفرته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه” (متفق عليه).
وشهر رمضان هو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وقد جعله الله فرصة لعباده للتوبة الصادقة والرجوع إليه، فالصائم فيه ينال أجرًا عظيمًا لا يُقدر بثمن، ويُضاعف الله له الحسنات ويكفر عنه السيئات.
الصيام عبادة عظيمة وسبب لدخول الجنة
بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة فضل الصيام وثوابه عند الله، حيث قال:
“للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه” (متفق عليه).
كما أن للصائمين بابًا في الجنة يُسمى “الريان”، لا يدخل منه إلا الصائمون يوم القيامة، تكريمًا وتشريفًا لهم على هذه العبادة العظيمة.
الصوم عبادة عظيمة اختصها الله لنفسه ورفع من شأنها، وجعل أجرها لا يُقاس بميزان الأعمال الأخرى، فثوابه عظيم ومضاعف، وقد اختار الله شهر رمضان لإنزال القرآن وجعله موسمًا للطاعة والعبادة، وفرصة عظيمة للمسلمين لنيل المغفرة والرحمة، وعلى المسلم أن يحرص على اغتنام هذا الشهر المبارك بالعمل الصالح والاجتهاد في العبادة ليكون من الفائزين برحمة الله ورضوانه.