هل ينال المسلم ثواب ليلة القدر إذا فاته قيامها؟.. أزهري يوضح

مع اقتراب نهاية العشر الأواخر من رمضان، يتساءل الكثير من المسلمين عن من لم يدرك قيام ليلة القدر وذكرها ليلًا أن ينال ثوابها وأجرها خلال ساعات النهار، هذه التساؤلات تتكرر كل عام مع حرص المسلمين على عدم تفويت هذه الليلة المباركة التي أخبر الله تعالى بأنها خير من ألف شهر، وحرصًا على ذلك يتساءل البعض هل يمكن تعويض قيام الليل بعبادات في النهار لتحقيق نفس الثواب.
ثواب ليلة القدر مرتبط بالقيام ليلًا
أجاب عن هذا التساؤل الدكتور محمد خليفة البدري، مدرس أصول الفقه بجامعة الأزهر، موضحًا أن من فاتته ليلة القدر ولم يتمكن من قيامها وذكر الله فيها ليلًا لا يمكنه تعويض ثوابها خلال النهار، لأن النصوص الشرعية الواردة في فضل هذه الليلة المباركة ربطت الأجر والثواب بقيام الليل تحديدًا ولم تُشر إلى أن النهار يمكن أن يكون بديلاً لتحقيق نفس الثواب.
وأكد الدكتور البدري أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: “من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه”، يدل بوضوح على أن الأجر العظيم والمغفرة مترتبان على قيام الليل خلال هذه الليلة المباركة، ولا يشمل هذا الأجر الأعمال التي تُؤدى في نهار اليوم التالي.
الدليل من السنة النبوية على فضل قيام الليل
استشهد الدكتور البدري بحديث آخر يوضح ارتباط الثواب بالأعمال التي تُقام ليلًا، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: “ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان”، وهذا الحديث يبين أن العبادة الليلية مثل الصلاة وقراءة القرآن وذكر الله لها مكانة عظيمة، وهي التي تشفع لصاحبها يوم القيامة.
وأضاف أن قيام الليل في العشر الأواخر له فضل خاص، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها أكثر من أي وقت آخر خلال العام، كما ورد عن عائشة رضي الله عنها: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيى ليله وأيقظ أهله”، مما يدل على أن الثواب الأعظم لليلة القدر مرتبط بقيامها وذكر الله فيها أثناء الليل.
وأشار إلى أن إحياء الليل هو الوسيلة التي نُقل إلينا عن الرسول الكريم لنيل بركات ليلة القدر، مما يؤكد أن النهار لا يُعوض هذه العبادة، حتى وإن كان الإنسان منشغلاً بأعمال الخير أو ذكر الله خلال ساعات النهار.
فضل ليلة القدر وضرورة اغتنامها
وأوضح الدكتور البدري أن ليلة القدر هي أعظم ليالي العام، وقد وصفها الله تعالى في كتابه العزيز بقوله: “لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ”، أي أن العبادة في هذه الليلة تعادل في ثوابها عبادة ثلاثة وثمانين عامًا وأربعة أشهر، وهو فضل لا يُدركه إلا من اجتهد في قيامها وذكر الله فيها.
وأضاف أن إحياء هذه الليلة يكون من خلال الصلاة، وقراءة القرآن، والدعاء، والاستغفار، وكل ما يُقرب العبد من الله عز وجل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حث المسلمين على طلب هذه الليلة في العشر الأواخر من رمضان، خاصة في الليالي الوترية.
وفي هذا السياق، دعا الدكتور البدري المسلمين إلى الاجتهاد في العشر الأواخر وعدم التفريط في هذه الفرصة العظيمة، لأن من أدرك ليلة القدر وقامها إيمانًا واحتسابًا نال مغفرة شاملة لجميع الذنوب السابقة.
دعاء النبي في ليلة القدر
وفيما يتعلق بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر، أوضح الدكتور البدري أن أفضل ما يُقال في هذه الليلة هو ما أوصى به النبي عائشة رضي الله عنها عندما سألته: “يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟”، فقال لها: “قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”.
وبيّن أن هذا الدعاء يجمع بين طلب العفو والمغفرة من الله، وأن العَفُوّ هو اسم من أسماء الله الحسنى، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم في قوله تعالى: “وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا” (النساء: 99)، مشيرًا إلى أن هذا الدعاء هو أفضل ما يُقال في ليلة القدر لطلب الرحمة والمغفرة.
فضل الدعاء والاجتهاد في العشر الأواخر
أكد الدكتور البدري أن ليلة القدر هي ليلة مباركة تُضاعف فيها الأعمال الصالحة، لذلك يجب على المسلمين الاجتهاد في الطاعات خلال هذه الليالي، مثل قيام الليل، وقراءة القرآن، والدعاء، وأوصى بأن يكون الدعاء شاملاً للدنيا والآخرة، مستشهدًا بقول الله تعالى: “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”.
وفي ختام حديثه، دعا الدكتور البدري الله عز وجل أن يتقبل الصيام والقيام من جميع المسلمين، وأن يرزقهم إدراك ليلة القدر ونيل بركاتها وفضلها العظيم، محذرًا من التهاون أو التسويف في العبادات خلال العشر الأواخر من رمضان.