ما حكم صيام الست من شوال دون تبييت النية ليلًا؟ الإفتاء توضح

ورد إلى دار الإفتاء المصرية سؤال من أحد المواطنين يستفسر فيه عن مدى اشتراط تبييت النية في صيام الست من شوال، حيث أوضح السائل أنه استيقظ بعد صلاة الفجر خلال أيام شهر شوال، ثم أراد صيام أحد أيام الست، وتساءل عما إذا كان صيامه صحيحًا في هذه الحالة، أم أن الشرط الأساسي لصحة الصوم هو النية المبيتة من الليل.
رأي دار الإفتاء في المسألة
أجابت دار الإفتاء المصرية موضحة أن من أراد صيام النافلة عمومًا، ومنها صيام الست من شوال، فيُستحب له تبييت النية من الليل، ومع ذلك فإن من أصبح من غير أن يبيت نية الصيام ثم نوى الصوم في أثناء النهار، فإن صومه صحيح في هذه الحالة عند بعض الفقهاء، بشرط ألا يكون قد ارتكب أي أمر يُفسد الصيام مثل الأكل أو الشرب أو غير ذلك من المفطرات.
اختلاف الفقهاء حول تبييت النية
أشارت دار الإفتاء إلى أن صيام الأيام الستة من شوال يُعد من أنواع صيام النافلة التي تحتاج إلى نية، وقد تعددت آراء الفقهاء في هذا الشأن، حيث يرى جمهور فقهاء المذاهب الثلاثة الحنفية والشافعية والحنابلة، أن صيام النافلة لا يشترط فيه تبييت النية من الليل، بل يمكن عقدها في النهار بعد طلوع الفجر، إلا أن المذهب الحنفي والشافعي قيد ذلك بوقت الزوال، بينما أطلق الحنابلة الأمر، فاعتبروا أن النية يمكن أن تُعقد في أي وقت من النهار.
ويشترط أصحاب هذه المذاهب أن يكون الصائم في هذه الحالة لم يأتِ بأي من المفطرات منذ الفجر، وهو شرط أساسي لصحة الصيام عندهم.
أدلة الجمهور من السنة النبوية
استند جمهور الفقهاء في رأيهم إلى أدلة من السنة النبوية، من أبرزها ما ورد عن الصحابي الجليل سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر أحد الرجال أن ينادي في الناس يوم عاشوراء قائلًا، إن من أكل فليتم أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل، والحديث مروي في صحيح البخاري، وقد أوضح الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم أن معنى الحديث أن من كان قد نوى الصوم من قبل فليتم صيامه، أما من لم يكن قد نوى الصيام ولم يأكل فعليه أن يمسك بقية اليوم تعظيمًا لحرمة الوقت.
واستدلوا كذلك بما رُوي عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، حيث قالت إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سألها ذات يوم عما إذا كان لديهم طعام، فلما أجابته بأنه لا يوجد شيء قال لها إنه صائم، وقد ورد هذا الحديث في صحيح مسلم، وهو ما يدل على صحة انعقاد نية صيام النافلة في النهار ما دام لم يسبقها شيء من المفطرات.
رأي المالكية والمزني من الشافعية
في المقابل، ذهب فقهاء المالكية، ومعهم المزني من فقهاء الشافعية، إلى رأي مغاير، حيث اشترطوا تبييت النية من الليل لصحة صيام التطوع، تمامًا كما هو الحال في صيام الفريضة، واشترطوا أن يتم ذلك في أي جزء من الليل بدءًا من غروب الشمس وحتى طلوع الفجر، واستندوا في رأيهم إلى عموم النصوص التي تربط صحة الصيام بعقد النية المسبقة، واعتبروا أن هذه القاعدة تشمل صيام الفرض والنفل على حد سواء.
خلاصة دار الإفتاء
لخصت دار الإفتاء المصرية في ردها إلى أن الأفضل للمسلم أن يبيت نية الصيام من الليل إن أراد صيام أيام من شوال أو غيرها من النوافل، إلا أن من لم يبيت النية واستيقظ في النهار دون أن يكون قد أكل أو شرب أو ارتكب ما يفطر، ثم عقد نية الصيام، فصيامه صحيح عند من أجاز ذلك من الفقهاء، وهو قول معتبر يمكن الأخذ به.
كما أكدت دار الإفتاء أن هذا الرأي يفتح باب التيسير على الناس ويُراعي الظروف العملية التي قد تمنع البعض أحيانًا من تبييت النية، خاصة في أيام النافلة، والتي يقوم بها كثير من المسلمين طلبًا للأجر والفضل.
أهمية صيام الست من شوال
يُذكر أن صيام الأيام الستة من شوال من السنن المستحبة التي ورد الحث عليها في السنة النبوية، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال، من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال، كان كصيام الدهر، ويُفسر العلماء هذا الحديث بأن من صام شهر رمضان كاملًا، وأتبعه بصيام ستة أيام من شوال، فإن أجره يُعد كمن صام السنة كلها.
ويُشير ذلك إلى فضل هذه الأيام في ميزان الحسنات، ويحرص الكثير من المسلمين على صيامها سنويًا، سواء بشكل متتابع أو متفرق طوال الشهر.
التيسير في مسائل النية
إن مسألة النية في العبادات تُعد من الأمور التي أولتها الشريعة الإسلامية أهمية كبيرة، لكن في الوقت ذاته راعت اختلاف الأحوال وتفاوت النيات وتيسر الوسائل على الناس، ولذلك فإن باب الاجتهاد واسع في مثل هذه المسائل التي تقع في دائرة السنن والنوافل، خاصة مع وجود نصوص صريحة وأقوال فقهية معتبرة تدعم كل رأي.
ومن هنا جاء تأكيد دار الإفتاء المصرية على أن صيام النافلة في شوال يصح إذا نواه الصائم في النهار، طالما لم يكن قد ارتكب ما يُبطل الصيام، وهو رأي يُمكن الأخذ به لمن لم يبيت النية ليلًا أو نسي ذلك، دون أن يشعر بالحرج أو الإثم.