الأربعاء 16 أبريل 2025 الموافق 18 شوال 1446
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

دراسة حديثة: محليات السكرين تضعف مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية

علاج السكر
علاج السكر

في تطور علمي قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة في معركة البشرية ضد البكتيريا المقاومة للعلاج، كشفت دراسة حديثة عن دور غير متوقع لمادة السكرين، وهي أحد أشهر المحليات الصناعية، في مكافحة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، هذا الدور الذي لم يكن في الحسبان قد يحمل في طياته أملًا طبيًا في مواجهة أزمة صحية عالمية باتت تهدد مستقبل الطب الحديث.

وقد نُشرت الدراسة عبر موقع “تايمز أوف إنديا” نقلاً عن مجلة “EMBO Molecular Medicine” العلمية، حيث أظهرت نتائج التجارب أن لمادة السكرين تأثيرًا مثيرًا للاهتمام على قدرة البكتيريا على البقاء، إذ تسهم هذه المادة في تعطيل تكوّن الأغشية الحيوية التي تحتمي بها البكتيريا من تأثير المضادات الحيوية، كما تعيق عملية تكاثر الحمض النووي الخاص بها، وهو ما يؤدي إلى إضعافها ومكافحة نشاطها داخل جسم الإنسان.

ما هو السكرين؟.. مادة قديمة بدور جديد

السكرين أو ما يُعرف علميًا بـ “Saccharin”، هو مركب كيميائي عضوي تم اكتشافه في أواخر القرن التاسع عشر، وعلى مدار العقود الماضية تم استخدامه بشكل واسع كمُحلي صناعي، خصوصًا لدى مرضى السكري أو أولئك الذين يتبعون أنظمة غذائية لإنقاص الوزن، إذ إن قدرته على التحلية تفوق السكر العادي بمعدلات تتراوح بين 200 إلى 700 مرة، دون أن يحتوي على أي سعرات حرارية.

وقد تم إدخال السكرين إلى الأسواق كبديل مثالي للسكر، ليس فقط في المشروبات المخصصة للحمية بل في العديد من المنتجات الغذائية المصنعة، مما جعله عنصرًا مألوفًا على موائد ملايين الأشخاص حول العالم، لكن لم يكن أحد يتوقع أن تكون لهذه المادة البسيطة قدرة على مواجهة أحد أخطر التحديات التي يواجهها الطب الحديث في القرن الحادي والعشرين، وهي مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية.

نتائج الدراسة.. اختراق علمي في فهم آليات مقاومة البكتيريا

تُظهر الدراسة أن السكرين لا يكتفي بكونه بديلًا منخفض السعرات بل يتفاعل مع الأنظمة البيولوجية للبكتيريا بطريقة فريدة، إذ يتسبب في إعاقة إنتاج الأغشية الحيوية التي تشكل الدرع الدفاعي الأول للبكتيريا، وهي الأغشية التي تمنحها القدرة على تحمل المضادات الحيوية التقليدية.

كما يمنع السكرين عملية تكرار الحمض النووي داخل الخلية البكتيرية، مما يؤدي إلى وقف انقسامها وتكاثرها، وبالتالي يمنع انتشار العدوى داخل الجسم، وتُعد هذه الآلية اكتشافًا مفاجئًا يضع السكرين في قائمة المركبات التي يمكن تطويرها طبيًا لاستخدامها ضمن استراتيجيات مكافحة العدوى المقاومة للعقاقير.

ويفتح هذا التوجه الجديد باب الأمل أمام الباحثين لتطوير مركبات علاجية تعتمد على مزج السكرين أو مشتقاته مع مضادات حيوية تقليدية بهدف تعزيز فعاليتها وزيادة قدرة الجسم على القضاء على البكتيريا المقاومة.

أزمة البكتيريا المقاومة.. تحدٍ عالمي متزايد الخطورة

تشكل مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية تهديدًا عالميًا آخذًا في التصاعد، إذ تشير التقارير الطبية إلى أن هذه الظاهرة تحدث نتيجة تعرض البكتيريا لفترات طويلة لأنواع معينة من المضادات، ما يدفعها لتطوير آليات دفاعية تجعلها عصية على العلاج.

وقد حذّرت منظمة الصحة العالمية مرارًا من هذا الخطر الداهم، حيث أشارت إلى أن بعض السلالات البكتيرية قد طورت مقاومة واسعة النطاق لعدة أنواع من الأدوية، مما أدى إلى زيادة معدلات الوفيات نتيجة العدوى، ففي عام 2019 وحده، توفي ما يقرب من 5 ملايين شخص حول العالم نتيجة إصابتهم بعدوى مقاومة للعلاج الدوائي، وهو رقم يكشف عن عمق الأزمة ويُسلط الضوء على أهمية البحث عن حلول غير تقليدية.

وترجع هذه الأزمة في جزء كبير منها إلى الاستخدام المفرط وغير المنضبط للمضادات الحيوية، سواء في المجال الطبي أو الزراعي، إلى جانب وصف الأدوية دون وصفات دقيقة أو توقف المرضى عن استكمال الجرعة المحددة، وهو ما أدى إلى تسارع تكيف البكتيريا مع الأدوية.

السكرين كأداة وقائية مستقبلية.. من المطبخ إلى المختبر

يبدو أن الدور المستقبلي للسكرين لن يقتصر على كونه مُحليًا يستخدم في المشروبات الغازية أو الحلوى منخفضة السعرات، إذ أن نتائج الدراسة الأخيرة تشير إلى إمكانية استغلال هذا المركب في خطط طبية لمكافحة العدوى، خاصة مع الانتشار الواسع له في أنظمة التغذية الحديثة.

ويُرجح الباحثون أن الدمج بين السكرين وبعض المضادات الحيوية قد يعزز من قدرة الأخيرة على تجاوز دفاعات البكتيريا، كما يمكن أن يتم تطوير مستحضرات موضعية تحتوي على السكرين تُستخدم في علاج الجروح أو الالتهابات الجلدية الناتجة عن بكتيريا مقاومة.

وإذا ما أثبتت الدراسات السريرية الإضافية فعالية هذه الآلية، فقد نكون بصدد ظهور جيل جديد من العلاجات التي تستفيد من مركبات بسيطة ومتاحة بسهولة، ما يجعلها خيارًا اقتصاديًا وأسرع في التطبيق بالمقارنة مع أدوية باهظة التكلفة لا تزال في طور التجريب.

نقلة علمية في انتظار التحقق

على الرغم من أن هذه الدراسة لا تزال في مراحلها الأولية، إلا أن تأثيرها العلمي قد يكون بالغ الأهمية، إذ أنها تقدم دليلاً جديدًا على أن الحلول الطبية قد تأتي من أماكن غير متوقعة، وأن التحديات الكبرى مثل مقاومة المضادات الحيوية يمكن أن تُقابل بأدوات مألوفة لم يتم الالتفات إليها سابقًا.

تم نسخ الرابط