استخبارات روسية وسورية.. لقاءات «ودية» على وقع تحولات إقليمية

كشف رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الـ روسية، سيرغي ناريشكين، عن لقاء وصفه بـ«البناء والودي» جمعه مع مسؤول كبير في جهاز الاستخبارات السوري، على هامش مؤتمر دولي استضافته العاصمة الأذربيجانية باكو، منتصف شهر أبريل الجاري. ويأتي هذا اللقاء في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيوسياسية وأمنية متسارعة، فيما تسعى دمشق لإعادة ترتيب علاقاتها وتحالفاتها العسكرية، لاسيما مع موسكو وأنقرة.
لقاء استخباراتي في باكو
وقال ناريشكين، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الـ روسية «تاس»، إن اللقاء جرى خلال فعاليات مؤتمر أفغانستان: الترابط الإقليمي والأمن والتنمية"، الذي عُقد يومي 17 و18 أبريل الجاري في العاصمة الأذربيجانية، بمشاركة كبار المسؤولين وممثلي أجهزة الاستخبارات من دول عدة، من بينها دول الشرق الأوسط وأوراسيا الكبرى.
وأوضح المسؤول الروسي أن اللقاء مع الطرف السوري اتسم بالإيجابية، مشيرًا إلى أنه كان "وديًا وبنّاءً"، دون الخوض في تفاصيل محددة تتعلق بمضمون النقاشات أو الملفات التي تم التطرق إليها.
وتُعد هذه التصريحات مؤشرًا جديدًا على استمرار التنسيق الوثيق بين موسكو ودمشق، لا سيما في مجالات الأمن والاستخبارات، والتي ظلت على مدار السنوات الماضية أحد أعمدة التحالف الروسي السوري، منذ التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا عام 2015.
تصريحات سورية تؤكد الاتجاه نحو تفاهمات جديدة
وفي سياق متصل، أدلى الرئيس السوري أحمد الشرع بتصريحات مثيرة للجدل خلال مقابلة نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، الأربعاء الماضي، أكد فيها أن حكومته تعمل على صياغة اتفاقيات جديدة مع كل من روسيا وتركيا، تتعلق بالدعم العسكري والمجالات الاستراتيجية.
وقال الشرع في تصريحاته:«"تركيا لديها وجود عسكري في شمال سوريا، وروسيا أيضًا تتواجد عبر قواعدها ومساعداتها لكننا قمنا بإلغاء كل الاتفاقات السابقة، ونحن الآن نعمل على تفاهمات جديدة مع الجانبين».
ورغم عدم الكشف عن تفاصيل الاتفاقات قيد النقاش، فإن مراقبين يرون في تصريحات الشرع إشارة واضحة إلى وجود تحركات من دمشق لإعادة رسم خريطة تحالفاتها في المنطقة، في ضوء المتغيرات الدولية والإقليمية، والضغوط الاقتصادية المتزايدة، بالإضافة إلى تصاعد التحديات الأمنية في بعض المناطق السورية.
أبعاد اللقاء الروسي السوري
اللقاء الروسي السوري على المستوى الاستخباراتي، وإن لم يكن الأول من نوعه، إلا أنه يحمل دلالات مهمة في هذا التوقيت، إذ يأتي في ظل تصاعد التوترات على أكثر من جبهة في المنطقة، خصوصًا في الجبهة السورية الشمالية حيث التواجد التركي، فضلًا عن محاولات بعض القوى الإقليمية إعادة ترتيب توازنات النفوذ على الأرض.
ويرى محللون أن اللقاء في باكو قد يكون جزءًا من جهود أوسع لتنسيق المواقف الأمنية، وتبادل المعلومات، وربما التفاهم على آليات إدارة بعض الملفات الحساسة، مثل مكافحة الإرهاب، والحد من النفوذ الأميركي، بالإضافة إلى التحضير لمستقبل الوضع السياسي والعسكري في سوريا.
تطورات على مستوى الإقليم
إقليمياً، يواكب هذة التحركات الـ روسية السورية تطورات متسارعة، منها التوتر المستمر بين طهران وتل أبيب، والتدخلات الغربية المتزايدة في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تصاعد الحديث عن ضرورة التوصل لتسويات سياسية في عدد من الملفات الساخنة، بما في ذلك الملف السوري.
وبحسب تقارير دبلوماسية غربية، فإن موسكو تسعى إلى استعادة دورها القيادي في الملف السوري، بالتوازي مع محاولات لتخفيف الضغوط الغربية عليها جراء الحرب في أوكرانيا، عبر تعزيز حضورها في ملفات الشرق الأوسط.
مستقبل التحالفات السورية
اللافت في تصريحات الرئيس السوري أن الحديث عن تفاهمات مع كل من روسيا وتركيا جاء بعد تأكيده إلغاء الاتفاقات السابقة، وهو ما يعني أن دمشق ربما تسعى إلى صياغة شراكات جديدة بشروط مختلفة، تضع في الاعتبار المستجدات التي طرأت خلال السنوات الماضية.
ومن المعروف أن العلاقات السورية التركية كانت في حالة قطيعة شبه تامة منذ اندلاع الحرب السورية في 2011، لكنها شهدت في الشهور الأخيرة محاولات للتقارب، بوساطة روسية وإيرانية، وهو ما قد يفسر إدراج أنقرة ضمن الدول التي تسعى دمشق للتفاهم معها.
التحركات الـ روسية والسورية الأخيرة تعكس إدراكًا متبادلًا لأهمية مواصلة التنسيق الأمني في هذه المرحلة الحساسة، كما تشير إلى رغبة الطرفين في إعادة صياغة علاقاتهما الخارجية بما يتماشى مع التطورات الجيوسياسية في المنطقة.