شاهد نجاسة على ثوبه بعد الصلاة.. هل تلزمه الإعادة؟.. الإفتاء توضح الحكم

الصلاة هي الركن الأعظم في حياة المسلم، ومن هنا تتكرر تساؤلات المصلين حول كثير من أحكامها، ومن بين هذه الأسئلة الهامة ما ورد إلى دار الإفتاء المصرية بشأن حكم من أدى «الصلاة» ثم اكتشف وجود «نجاسة» على ثوبه بعد انتهائه من «الصلاة»، وقد أجابت دار الإفتاء بتفاصيل دقيقة توضح الحكم الشرعي لمثل هذه الحالة.
رؤية النجاسة بعد أداء الصلاة
أوضحت دار الإفتاء أن طهارة الثوب والبدن والمكان تعتبر شرطًا أساسيًا من شروط صحة «الصلاة»، فلا تصح «الصلاة» لمن علم بوجود نجاسة خلال أدائه للصلاة باتفاق العلماء، أما من لم يعلم إلا بعد انتهائه من الصلاة فإن صلاته صحيحة على المختار للفتوى، ومع ذلك يستحب له إعادة «الصلاة» خروجًا من الخلاف، وبناءً عليه فإن صلاة السائل صحيحة، ولكن يُستحب له أن يعيدها تحريًا للكمال والخروج من أي خلاف فقهي.
النصوص الشرعية الداعمة لوجوب الطهارة
استدلت دار الإفتاء على هذا الحكم بعدد من الأدلة الشرعية الواضحة، فأشارت إلى قوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: 4]، مما يدل على أن طهارة الثوب شرط في صحة «الصلاة»، كما أوردت حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي مرّ فيه بقبرين فقال: ««إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة»» متفق عليه، مما يبين أهمية الطهارة من النجاسات للصلاة وللحياة الطاهرة بوجه عام.
أهمية طهارة البدن والمكان في الصلاة
ذكرت دار الإفتاء كذلك أن طهارة البدن لازمة لحديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها: «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي»، وهذا الحديث يرسخ مبدأ أن إزالة النجاسة من البدن قبل «الصلاة» أمر حتمي لصحتها، كما أن طهارة المكان الذي تؤدى فيه الصلاة أكدته الآية الكريمة ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [البقرة: 125]، فضلاً عن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ««الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة»» أخرجه أبو داود والترمذي، مما يؤكد ضرورة تحري المكان الطاهر عند أداء «الصلاة».
الأماكن المنهي عن الصلاة فيها
أوردت دار الإفتاء أيضًا نصًا هامًا عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «نهى أن يُصلى في سبعة مواضع: في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي معاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله»، أخرجه الترمذي، وكل هذه المواضع إما نجسة أو غير مناسبة شرعًا لأداء «الصلاة» مما يدل على حرص الإسلام البالغ على نظافة المكان في العبادة.
اختلاف الفقهاء حول حكم من رأى نجاسة بعد الصلاة
تابعت دار الإفتاء توضيحها قائلة إن جمهور الفقهاء ومنهم الحنفية، والمالكية في قول، والشافعية، والحنابلة ذهبوا إلى أن طهارة الثوب والبدن والمكان شرط من شروط صحة «الصلاة»، فإذا أدى الشخص الصلاة مع علمه بوجود النجاسة بطلت صلاته ووجب عليه إعادتها، أما إذا لم يعلم إلا بعد الفراغ من «الصلاة»، فقد اختلف الفقهاء حول هذا الأمر، حيث ذهب الحنفية والشافعية في المذهب والحنابلة في رواية إلى أن صلاته لا تصح وعليه الإعادة.
الرأي المختار للفتوى في حكم الصلاة مع النجاسة
في المقابل ذهب المالكية، والشافعية في القديم، والحنابلة في رواية أخرى إلى أن صلاته صحيحة ولا تلزمه الإعادة، وهو الرأي الذي اختاره ابن المنذر، وأكدت دار الإفتاء أن هذا القول هو المعتمد للفتوى لديها، غير أن المالكية رغم اعترافهم بصحة الصلاة استحبوا إعادة الصلاة إذا بقي وقتها تفضيلًا للخروج من الخلاف الفقهي وتحقيقًا لزيادة الطمأنينة في العبادة.
من خلال ما سبق، يتضح أن من أدى «الصلاة» وهو يجهل وجود النجاسة على ثوبه، ثم علم بها بعد الانتهاء، فصلاته صحيحة على الراجح، مع استحباب الإعادة، وهذا يعكس رحمة الشريعة الإسلامية وحرصها على تيسير الأمور على المسلمين، خاصة في عباداتهم التي تمثل صلة مباشرة بينهم وبين ربهم، وقد حرصت دار الإفتاء على بيان هذه الأحكام بأسلوب مبسط ودقيق ليعم الفهم والوعي بين المسلمين.