هل يجوز قضاء الصلوات الفائتة دون ترتيب؟ دار الإفتاء توضح الضوابط

كشفت دار «الإفتاء» المصرية عن الحكم الشرعي في قضية شغلت أذهان كثير من المسلمين، وهي مسألة «ترتيب الصلوات الفائتة مع الحاضرة»، حيث أوضحت «الإفتاء» أن الصلاة من الفرائض التي لا تسقط عن المسلم البالغ العاقل بأي حال من الأحوال، حتى لو فاتته بعذر أو نسيان، فتبقى في ذمته حتى يؤديها، مستندة في ذلك إلى الحديث الشريف: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا».
وشددت «الإفتاء» على أن التوبة وحدها لا تسقط فرض الصلاة، بل لا بد من قضاء ما فات، وقد بيّنت الأحاديث النبوية أن التهاون في أداء الصلاة يُعد من علامات ضعف الإيمان، حيث جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ».
المرأة الحائض والنفساء مستثناة من وجوب القضاء
وأضافت «الإفتاء» أن الصلاة لا تسقط إلا في حالات محددة، منها الحيض والنفاس بالنسبة للنساء، إذ لا يجب على المرأة قضاء الصلاة التي فاتتها خلال هذه الفترة، أما في غير ذلك من الأحوال، فإن الصلاة الفائتة لا تُعفى عن المسلم ويجب عليه قضاؤها متى تذكّرها أو استطاع.
الفقهاء واختلافهم في حكم الترتيب بين الفوائت والحاضرة
أوضحت «الإفتاء» أن آراء الفقهاء اختلفت حول حكم ترتيب قضاء الصلوات الفائتة مع الحاضرة، فقد ذهب فقهاء الحنفية إلى أن الترتيب واجب إذا لم تزد الفوائت عن ست صلوات غير الوتر، وفي حال تجاوز هذا العدد أو ضاق وقت الحاضرة أو نسي الشخص الصلاة الفائتة عند أداء الحاضرة، فيسقط عنه الترتيب.
أما المالكية، فقد أوجبوا الترتيب مطلقًا بشرط أن يكون الشخص متذكرًا للسابقة، وقادرًا على الالتزام بالترتيب، ووافقهم في ذلك فقهاء الحنابلة الذين اشترطوا الترتيب إلا إذا خاف المصلي فوات وقت الصلاة الحاضرة، ففي هذه الحالة يقدم الحاضرة على الفائتة.
في المقابل، جاءت رؤية الشافعية أكثر تيسيرًا، إذ اعتبروا أن ترتيب الفوائت مع نفسها أو مع الحاضرة سنة، وليس واجبًا، وبالتالي يجوز ترك الترتيب دون أن يفسد القضاء، ما يجعل هذا الرأي أيسر الأقوال في هذه المسألة كما ترى «الإفتاء».
نصيحة «الإفتاء» لمن عليه صلوات فائتة عند دخول المسجد
وقدمت «الإفتاء» توجيهًا عمليًا في حال دخول المسلم إلى المسجد ووجد الإمام في صلاة الجماعة بينما عليه صلاة فائتة، فإن كان وقت الصلاة الحاضرة متسعًا لأداء الفائتة والحاضرة معًا، فعليه أن يبدأ بقضاء الصلاة التي فاتته ثم يلتحق بصلاة الجماعة، ما لم يفته وقت الحاضرة.
رأي الأزهر في قضاء الصلوات وكيفية ترتيبها
من جانبه، أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أن الحفاظ على أداء الصلوات في أوقاتها من أعظم القربات إلى الله، مستدلًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، عَلَى وُضُوئِهَا، وَمَوَاقِيتِهَا، وَرُكُوعِهَا، وَسُجُودِهَا، يَرَاهَا حَقًّا لِلَّهِ عَلَيْهِ، حُرِّمَ عَلَى النَّارِ».
وأشار الأزهر إلى أنه يجوز قضاء الصلوات في أي وقت من اليوم أو الليل، ولا كفارة لها سوى القضاء، استنادًا إلى الحديث النبوي الشريف: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ».
ضوابط ترتيب الفوائت: هل يسقط الترتيب؟
أكدت «الإفتاء» أن من فاتته صلوات يوم واحد يجب عليه أن يقضيها بترتيبها، أما إذا زادت عن خمس صلوات، فيسقط وجوب الترتيب، ويجوز قضاؤها دون ترتيب، وهي من الفتاوى التي تبين مرونة الفقه الإسلامي وتيسيره على المكلفين.
حكم من لا يعرف عدد الصلوات التي فاتته
وتطرقت «الإفتاء» إلى من ترك الصلاة لسنوات طويلة، ثم تاب إلى الله، فأوضحت أنه يجب عليه تقدير عدد الأيام أو السنوات التي ترك فيها الصلاة، ثم يبدأ في قضاء تلك الصلوات تدريجيًا، فيجمع بين الصلاة الحاضرة وصلاة فائتة من جنسها، أو يقضي صلوات يوم كامل متتالية في أوقات مختلفة من اليوم والليل.
الفرق بين النوافل وقضاء الفوائت
وأوضحت «الإفتاء» أن النوافل لا تُغني عن قضاء الصلوات الفائتة، مهما كثرت، فالقضاء مقدم على النافلة، والواجب مقدم على المستحب، وعلى المسلم أن يجعل من كل فريضة يصليها فريضةً أخرى فائتة يقضيها، وله أن يترك السنن الرواتب مؤقتًا حتى يُكمل ما عليه من صلوات.
طريقة قضاء الصلوات كما ورد في السنة
نقلت «الإفتاء» عن الإمام النووي في “شرح صحيح مسلم” تأكيده على أن من وجب عليه القضاء وهو ناسيٌ غير آثم أولى أن يُطالب به من ترك الصلاة عمدًا، وقد أورد الحديث الشريف الذي يدل على هذا المبدأ: «اقْضُوا اللهَ الَّذِي لَهُ، فَإِنَّ اللهَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ».
وشددت «الإفتاء» في أكثر من موضع على أن من ترك الصلاة لأي مدة من الزمن فعليه أن يتوب ويستغفر، ثم يبدأ على الفور في قضاء ما فاته، وليستمر على هذه الحال حتى يغلب على ظنه أنه أتم ما عليه، فإن أدركه الموت قبل تمام القضاء، فإن الله غفور رحيم، وسيتولى أمره بعفوه وكرمه.
خلاصة رأي «الإفتاء» في الترتيب بين الفوائت والحاضرة
تؤكد «الإفتاء» أن الأصل هو وجوب القضاء، والاختلاف في الترتيب لا ينبغي أن يكون عائقًا أمام أداء هذا الواجب، فإن تمكن المسلم من الترتيب فهو الأفضل، وإن لم يستطع، فلا حرج عليه في تركه، والمهم أن يبادر إلى «أداء ما فاته» بأسرع وقت ممكن، دون مماطلة أو تسويف، امتثالًا لأوامر الله ورسوله، واستعدادًا ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.