السيسى.. 45 مليون علبة لبن أطفال تستورد سنويًا.. متى نصنعها محليا؟

أثار الرئيس عبد الفتاح السيسى تساؤلًا حاسمًا ومباشرًا خلال فعاليات موسم حصاد القمح 2025 بشأن غياب مصنع وطني لإنتاج لبن الأطفال المجفف «لبن البودرة»، رغم استيراد مصر لنحو 45 مليون علبة سنويًا، مؤكدًا على ضرورة التحرك السريع لإنشاء مثل هذا المشروع الحيوي الذي يلامس احتياجات ملايين الأسر المصرية.
وقال الرئيس خلال كلمته في الفعالية التي أقيمت في أحد المواقع الزراعية التابعة لمشروع «مستقبل مصر»: «لبن البودرة 45 مليون علبة.. لغاية دلوقتي ميتعملش مصنع لإنتاج لبن الأطفال في مصر؟ واستورده ميتعملش مصنع؟ امسكه في موضوع موضوع وخلصوه».
قضية أمن قومي
تصريحات الرئيس السيسى تسلط الضوء مجددًا على ملف طالما طُرح في الأوساط الاقتصادية والصحية، وهو الحاجة الملحة لإنتاج لبن الأطفال محليًا، ليس فقط لتقليل فاتورة الاستيراد التي ترهق ميزان المدفوعات، ولكن أيضًا لضمان استمرارية التوريد في ظل تقلبات الأسواق العالمية، وحماية الأسر من نقص الإمدادات أو ارتفاع الأسعار.
ويُعد لبن الأطفال المجفف من السلع الاستراتيجية التي يعتمد عليها ملايين الأسر المصرية، خاصة في ظل الزيادة السكانية وارتفاع نسب المواليد، ما يجعل تأمين احتياجات السوق المحلية منه ضرورة لا تقبل التأجيل.
دعوة للمستثمرين.. وصناعة الأمل
وخلال حديثه، وجّه الرئيس السيسى نداءً صريحًا ومباشرًا إلى رجال الصناعة والاستثمار والغرف التجارية، مشددًا على أن النهوض بالصناعة الوطنية لن يكون أمرًا سهلاً أو سريعًا، بل يتطلب عزيمة وبحثًا دائمًا واستمرارية في السعي والعمل.
وقال الرئيس: «بقول للمستثمرين ورجال الصناعة والغرف، إذا كنتم عاوزين تنقلوا بلدكم من وضع لوضع أحسن مش هيبقا سهل.. هتبحث وتجرى وتصر على موقفك لغاية ما ربنا يسدد خطاك».
وأضاف: «احنا عاوزين نستفيد كرجال صناعة وزراعة وحكومة.. علشان مصر وعلشان نغير الواقع اللي احنا فيه»، مشيرًا إلى أهمية التكامل بين كل الأطراف لتحقيق طفرة إنتاجية حقيقية تُسهم في خفض الاستيراد وزيادة فرص العمل وتعزيز الأمن الغذائي.
من الدعم إلى الإنتاج.. فلسفة جديدة للتنمية
وتطرق الرئيس السيسى إلى فلسفة الدعم الاجتماعي، مؤكدًا أن تمكين المواطنين اقتصاديًا من خلال مشاريع إنتاجية هو الطريق الأكثر استدامة للعدالة الاجتماعية، مقارنة بالاكتفاء بتقديم الدعم النقدي المباشر مثل برنامج «تكافل وكرامة».
وقال في هذا الصدد:«بدل ما أدي فلوس كل شهر في تكافل وكرامة، ممكن أدي حاجة من دي تغني الناس.. إنتاجنا في اللحوم والألبان يغني الناس».
وتابع: «طيب إزاى نقدر نعملها مع بعض؟ هل ده معناه الراجل اللى في القطاع الخاص ميكسبش؟ لا.. يكسب»، في إشارة إلى أن الدولة لا تسعى إلى تقييد ربحية المستثمر، بل تحفز الشراكة والتكامل معه لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية في آنٍ واحد.
تحديات الحاضر.. وفرص المستقبل
وتأتي تصريحات الرئيس في وقت تشهد فيه مصر تحولات كبيرة في خريطة الاستثمار الزراعي والصناعي، في ظل مشروعات قومية عملاقة مثل «مستقبل مصر» و«الدلتا الجديدة» التي تستهدف التوسع في زراعة القمح والمحاصيل الاستراتيجية، إضافة إلى التوجه نحو إنشاء سلاسل تصنيع متكاملة تشمل الأغذية، الألبان، اللحوم، ومشتقاتها.
كما أن حديث الرئيس عن لبن الأطفال يعكس رؤية شاملة تهدف إلى سد الفجوات الإنتاجية التي طالما عانت منها الدولة، والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي في المنتجات الحيوية، خصوصًا تلك التي تمس الأطفال وصحة الأجيال القادمة.
إشارات حاسمة ورسائل للمستقبل
من خلال هذه التصريحات، وجّه الرئيس السيسى رسائل حاسمة للداخل والخارج، مفادها أن مصر جادة في تقليل اعتمادها على الاستيراد، وأن الدولة ترحب بأي مستثمر وطني أو شريك يرغب في الدخول في مشروعات حقيقية تفيد الوطن والمواطن، بشرط أن تكون مبنية على الجودة والجدية والقدرة على الإنتاج الفعلي.
وقد لاقت كلمات الرئيس تفاعلًا واسعًا بين الأوساط الاقتصادية والاجتماعية، حيث طالب العديد من الخبراء بضرورة الإسراع في إعداد دراسات جدوى حقيقية لمصنع لبن الأطفال، مع توفير الحوافز والتسهيلات اللازمة لجذب الاستثمارات، بما يُحقق الهدف القومي المنشود خلال أقرب وقت.