فاتن حمامة.. أيقونة الرقي التي لم تغب عن شوارع الذاكرة المصرية

تمر اليوم، السابع والعشرون من مايو، الذكرى الرابعة والتسعون لميلاد سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، التي وُلدت عام 1931 لتصبح واحدة من أبرز الأسماء التي صنعت مجد السينما المصرية، وساهمت في ترسيخ فن راقٍ حمل ملامح الوطن وجمال الإنسان المصري.
ورغم رحيلها في عام 2015، لا تزال ذكراها حية في قلوب محبيها، وتبقى أعمالها علامة في تاريخ الفن العربي.
لم تكن فاتن حمامة مجرد فنانة تتألق على الشاشة، بل كانت رمزًا للأناقة، للثقافة، وللرقي في الأداء والرسالة. وقدمت خلال مسيرتها التي امتدت لعدة عقود، أعمالاً سينمائية ودرامية لامست وجدان الناس، وجعلت منها صوتًا فنيًا وإنسانيًا خالصًا.
الفن والرسالة.. بصمة خالدة
بدأت مسيرتها الفنية في سن الطفولة، واستمرت حتى سنواتها الأخيرة، تاركة خلفها إرثًا فنيًا تجاوز 90 عملًا سينمائيًا ودراميًا، من بينها أفلام خالدة مثل «دعاء الكروان»، «سيدة القصر»، «بين الأطلال»، «الحرام»، و«إمبراطورية ميم»، والتي عبرت من خلالها عن قضايا المرأة والعدل الاجتماعي، والهوية المصرية.
كانت فاتن حمامة دائمًا تختار أدوارها بعناية، وتنتقي ما يحمل رسالة سامية للجمهور.
ولعل هذه المسؤولية الأخلاقية تجاه الفن جعلتها تحظى باحترام النقاد والجمهور على السواء، وظلت نموذجًا يُحتذى به لفن نظيف وهادف.
حديث نادر.. حب الوطن يبدأ من الشارع
وفي لقاء إذاعي نادر أجرته مع الإعلامي القدير عمر بطيشة في برنامجه الشهير «آخر كلام»، قدمت فاتن حمامة وجهًا آخر من شخصيتها، حيث تحدثت بإخلاص وعفوية عن مفهوم الوطنية كما تراه، بعين مواطنة مصرية محبة لبلدها، لا تكتفي بالكلمات، بل تدعو للفعل والعمل.
قالت سيدة الشاشة العربية: «مصر هي أم الدنيا وأمنا كلنا بس إحنا مبنحبهاش كفاية.. يعني أقول لو احنا اشتغلنا زيادة ولو احنا نظفنا بلدنا، وأنا بقول للناس مش للحكومة بس.. يعني أنا لو ماشية في بيتي ولقيت ورقة واقعة على الأرض بوطي أجيبها، يبقا عيب وأنا في الشارع أرمي ورقة في الأرض.. فلازم أعتبر إن ده وطني ويبقا عندي شوية حب أكبر له، وهي دي الوطنية وهو ده حب مصر».
بهذه الكلمات، دعت فاتن حمامة كل مصري أن يتحمل مسؤوليته في حب الوطن، ليس بالشعارات، بل بالفعل اليومي، من الإخلاص في العمل، إلى الحفاظ على نظافة الشارع، واحترام الآخرين.
الوطنية ليست أغاني وهتافات
في حديثها، انتقدت فاتن المظاهر الزائفة في التعبير عن حب مصر، مشددة على أن الوطنية الحقيقية لا تكون بالأغاني ولا بالهتافات الرنانة، بل بالإتقان والضمير.
قالت بوضوح: «حب مصر مش بالأغاني والهتاف.. لازم نبطل بقا واحنا داخلين على مرحلة جديدة، والمفروض كل واحد فينا يكون مخلص في عمله علشان نجيب نتيجة أكتر.. أنا بطلب من اللي بيكنس الشارع إنه يكنسه بذمة علشان وأنا ماشية فيه ينشرح صدري، وبالتالي أروح لعملي وأنا مبتسمة».
كانت ترى أن كل وظيفة مهما كانت بسيطة، تساهم في بناء الوطن وراحته، وأن هذه التفاصيل الصغيرة هي التي تصنع الفارق الحقيقي.
دعوة لاستعادة البساطة والابتسامة
وتابعت فاتن حمامة حديثها العفوي، داعية المصريين إلى العودة للبديهيات الجميلة، مثل التحية الصباحية، والكلمة الطيبة، وروح التعاون.
«بطلب من سواق الأتوبيس ميكونش كشر في وش الناس.. وبطلب من كل واحد نرجع تاني نقول السلام عليكم وصباح الخير، لكن إحنا بطلنا الحاجات دي، فلو إحنا كل واحد فينا حاول يريح اللي قدامه ويسعده بكلمة، في الآخر هترجع الابتسامة تاني على وجوهنا، وبالتالي هنعمل عملنا وإحنا أسعد»، هكذا قالت سيدة الشاشة، مؤكدة أن التغيير يبدأ من الداخل، ومن سلوكيات بسيطة تُعيد دفء العلاقات بين الناس.
إرث يتجدد مع كل ذكرى
94 عامًا تمر اليوم على ميلادها، لكن سيرتها ما زالت ملهمة، وأعمالها تُعرض جيلاً بعد جيل، تُمثّل ذروة النضج الفني والالتزام الوطني في آنٍ واحد.
وقد نالت خلال مشوارها العديد من الجوائز والتكريمات، أبرزها وسام الكمال من الطبقة الأولى، وجائزة أفضل ممثلة لعدة سنوات من مهرجانات عربية ودولية.
لكن أعظم تكريم لها، هو محبتها المتواصلة في قلوب الملايين، الذين يرون فيها وجهًا مشرقًا لمصر، وفنانة لم تساوم في فنها، ولا في وطنيتها.