الفتوة الذي بكى في استوديوهات الحياة.. من هو فريد شوقي الملقب بـ«الترسو»؟

في مثل هذا اليوم 27 يوليو/تموز من عام 1998، رحل عن عالمنا الفنان الكبير فريد شوقي، تاركًا وراءه إرثًا فنيًا ثريًا تجاوز 50 عامًا من العمل المتواصل في السينما والمسرح والتليفزيون.
وبرحيله، خسر الجمهور المصري والعربي «وحش الشاشة» الذي لم يتوقف يومًا عن الإبداع، حتى في أصعب لحظات حياته.
«عندما أستريح أتعب وأمرض»
«عندما أستريح أتعب وأمرض».. بهذه الجملة لخّص فريد شوقي فلسفته في الحياة، والتي لم يتخلّ عنها حتى خلال فترة مرضه في لندن، حيث رقد منتظرًا الخضوع لعملية جراحية دقيقة.
ورغم الألم، لم يفارقه شغفه بالفن، فاحتفظ بجهاز تسجيل للقرآن وآخر يسجل عليه خواطره وأفكاره لمسلسلات وأفلام مستقبلية، وكأنه كان يؤمن بأنه سيعيش أبدا ويواصل العطاء.
كان يؤمن بضرورة العمل والكدّ، وهو ما عبّر عنه بقوله: «أنا بشتغل لدنياي كأنني أعيش أبدًا.. الفنان لا يرتاح».
وبفضل هذا الإيمان، حافظ فريد شوقي على محبة الجمهور لأكثر من نصف قرن، حتى صار اسمه مرادفًا للإبداع والجد والاجتهاد.
«حب الناس أغلى من المال»
في حوار تليفزيوني قديم، قال فريد شوقي: «عملت في 50 سنة ثروة لا تقدر، ثروة من الجماهير العريضة.. ثروة حب الجماهير أقيم بكثير من المال».
كان يعتبر حب الناس رأسماله الحقيقي، وهو ما جعله حريصًا على تقديم فن يُرضي جمهوره ويُعبّر عنهم، وليس فقط لتحقيق المكاسب المادية.
وفي لقاء نادر مع الإعلامي عمرو أديب، قال قبل وفاته بشهور: «عشت 200 سنة لأني مامنعتش نفسي من حاجة.. وكنت كريم مع بناتي، أخدتهم أوروبا ودول تانية.. لأن لو الأب ما امتّعش بنته، شاب تافه بسيارة فيات ممكن يغريها».
هجوم على جيل التسعينات
لم يكن فريد شوقي راضيًا عن ممارسات بعض الفنانين الشباب في أواخر حياته، حيث انتقد ما وصفه بـ«سيطرة المال على النفوس»، و«تسرع بعض الفنانين في الوصول وتحقيق الشهرة»، مؤكدًا أن هذه الظواهر أضرت بالفن، وأفقدته صدقه وقيمته.
وقال: «المال غيّر الفن.. زمان كنا بنشتغل علشان نقدم رسالة.. دلوقتي الناس عايزة تتشهر بسرعة وتصعد السلم جري».
«قدّمت كل الشخصيات»
قدم فريد شوقي أكثر من 360 فيلمًا، وقال بفخر: «لا توجد شخصية لم أقدّمها، الفرّاش، البخيل، السواق»، مؤكدًا أنه تمنى أن تعود السينما لتقديم موضوعات اجتماعية تُفيد الناس والأسرة.
بدأ مسيرته في السينما عام 1946 من خلال فيلم «ملاك الرحمة»، وتوالت بعدها أعماله مع كبار المخرجين مثل حسن الإمام وصلاح أبو سيف، ليصبح «ملك الترسو» و«وحش الشاشة»، رمزًا للقوة والعدل والفتوة في أفلام الخمسينيات والستينيات.
كاتب ومنتج أيضًا
لم يقتصر عطاؤه على التمثيل فقط، بل كتب وأنتج عددًا من أشهر أفلامه مثل «الأسطى حسن»، «رصيف نمرة 5»، و«الفتوة»، كما تعاون مع كتّاب كبار مثل نجيب محفوظ.
وفي مجال الدراما التليفزيونية، قدم مسلسلات مميزة أبرزها «البخيل وأنا»، الذي لعب فيه دور شقيقين متناقضين، أحدهما بخيل والثاني كريم، في أداء أثار إعجاب الملايين.
خمس زيجات وبنات فقط
على الصعيد الشخصي، تزوج فريد شوقي خمس مرات، وأنجب خمس بنات، أبرزهن الفنانة رانيا شوقي والمنتجة ناهد فريد شوقي.
كانت أشهر زوجاته الفنانة هدى سلطان، التي شاركته بطولة عدد من أشهر أفلامه مثل «جعلوني مجرمًا» و«أبو الدهب»، قبل أن يقع الطلاق بعد سنوات من الزواج والعمل المشترك.
تحدث عن المرأة كشريكة أساسية في حياة الفنان، قائلًا: «الزوجة لازم تكون عندها حاسة فنية، مش شرط تكون ممثلة، بس تكون فاهمة شغل جوزها الفنان».
تكريم بعد الرحيل
في عام 2020، قرر مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط تكريم اسم فريد شوقي بمناسبة مئوية ميلاده، بمنحه وسام «فنان الشعب»، تقديرًا لعطائه الكبير كممثل ومؤلف ومنتج، ساهم في تشكيل وجدان أجيال من المصريين والعرب.
فريد شوقي لم يكن مجرد نجم، بل كان مدرسة كاملة في الإخلاص للفن والحياة، نحت اسمه في وجدان الناس بصدق الأداء وقوة الحضور، وظل حتى النهاية يعمل وكأنه بدأ لتوه، مؤمنًا بأن الفنان الحقيقي لا يموت طالما بقي فنه بين الناس.