كيف تقدم دعم حقيقي إذا كان أحد أفراد أسرتك مريض نفسي

مريض نفسي داخل الأسرة ليس مجرد تحدٍ عابر بل هو موقف إنساني عميق يتطلب وعيا وتفهما وصبرا كبيرا، فوجود شخص مريض يعاني من اضطرابات نفسية بين أفراد الأسرة يمكن أن يؤثر على الديناميكية العائلية بالكامل ويخلق ضغوطا يومية على الجميع، لكن فى الوقت ذاته فإن تقديم الدعم النفسى والاجتماعى للمريض له تأثير بالغ فى عملية «الشفاء والاستقرار»، فالمريض النفسى لا يحتاج فقط إلى الأدوية والمتابعة الطبية بل أيضا إلى بيئة داعمة تبث فيه الأمان والثقة وتعامله بكرامة وإنسانية دون وصم أو تمييز.
افهم طبيعة المرض النفسى أولًا
أول خطوة نحو دعم أى مريض داخل الأسرة هى أن تبذل جهدا حقيقيا لفهم «طبيعة المرض النفسى» الذى يعانى منه، فهناك أنواع متعددة من الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب واضطراب القلق والفصام والوسواس القهرى وثنائى القطب وغيرها، وكل نوع له أعراضه المختلفة واحتياجاته الخاصة، لذلك من المهم قراءة المصادر الموثوقة أو الحديث مع المختصين حتى لا تبنى تصورك بناءً على تجارب سطحية أو معلومات خاطئة، فالمعرفة هى أول أدوات «الدعم الفعّال».
ابتعد عن اللوم أو التقليل من المعاناة
كثير من أفراد الأسرة يقعون فى خطأ شائع وهو إلقاء اللوم على المريض أو التقليل من حجم معاناته بعبارات مثل «شد حيلك» أو «انت بتتدلع» أو «ده كله فى دماغك»، مثل هذه العبارات تؤذى نفسيا أكثر مما تفيد، لأن المريض غالبا يشعر بأنه «عبء على من حوله»، وبالتالى فإن التشكيك فى آلامه يضاعف إحساسه بالعزلة والذنب، والبديل الأفضل هو الإصغاء باهتمام ودون أحكام وأن تُظهر له أنك تؤمن بمعاناته وتسعى لفهم ما يمر به.
التعاطف لا يعنى التبرير الدائم
من المهم أن توازن بين التعاطف مع المريض وبين تحملك للسلوكيات السلبية، فليس كل تصرف صادر عن مريض نفسي يمكن تبريره أو تجاهله، خاصة إذا وصل إلى الإيذاء اللفظى أو الجسدى أو التعدى على حدود الآخرين، لذلك من المهم أن تضع «حدودا واضحة» دون قسوة، وأن توصل له الرسالة بأنه محبوب ومدعوم ولكن لا يُقبل منه السلوك المؤذى أو التجاوز، فهذه المعادلة هى ما تساعد المريض على النمو النفسى السليم وتحمي باقى أفراد الأسرة أيضا.

شجّعه على تلقى العلاج ولا تجبره عليه
قد يرفض المريض النفسى أحيانا الاعتراف بمرضه أو الذهاب للطبيب النفسى بسبب الخوف من «الوصمة المجتمعية» أو لأن حالته النفسية نفسها تمنعه من إدراك أهمية العلاج، وفى هذه الحالة يجب أن يكون الحث على تلقى العلاج قائما على «الإقناع والاحتواء» وليس بالإكراه، حدثه عن فوائده وطمئنه بأنك سترافقه فى خطواته، ولا تستخدم سلاح التخويف أو التهديد لأن ذلك يأتى بنتائج عكسية، حاول أن تجعل الأمر يبدو طبيعيا مثل الذهاب لطبيب باطنى أو أسنان.
لا تنس نفسك فى طريق الدعم
من أكثر الأخطاء انتشارا أن ينسى أحد أفراد الأسرة الاعتناء بنفسه أثناء تقديم الدعم للمريض، وهذا يؤدى إلى استنزاف عاطفى وإرهاق نفسى شديد قد ينعكس سلبا على الجميع، لذلك من الضرورى أن يكون هناك نوع من التوازن، احرص على الحصول على وقت خاص لنفسك، تحدث مع أصدقائك أو استعن بأخصائى نفسى لمساعدتك أنت أيضا فى تجاوز المشاعر المعقدة التى قد تواجهك، فالدعم الصحى يبدأ من نفس سليمة قادرة على العطاء دون أن تنهار.
اشرك باقى أفراد الأسرة فى الدعم
لا ينبغى أن يتحمل شخص واحد فقط مسئولية دعم المريض النفسى داخل الأسرة، فكل فرد يمكنه أن يكون مصدر دعم بطريقته الخاصة، سواء بالمشاركة فى الرعاية أو بتقديم الحنان أو حتى بتجنب الانتقادات والسخرية، من المهم جدا أن يشعر المريض بأنه ينتمى إلى «بيئة أسرية متماسكة» تحتضنه ولا تعزله، وهذا لا يحدث إلا إذا شعر باقى أفراد الأسرة بأنهم جزء من عملية التعافى وليسوا مجرد متفرجين أو ضحايا.
راقب العلامات الخطيرة وتواصل مع المختصين
هناك حالات تستدعى تدخلا فوريا من مختصين خصوصا إذا لاحظت أن المريض تظهر عليه علامات مثل التفكير فى الانتحار أو العنف ضد النفس أو الآخرين أو إذا تدهورت حالته بشكل مفاجئ، لا تتردد فى الاتصال بالمختص النفسى أو الطوارئ حسب الحالة، فالأمان النفسى والجسدى أولوية، وتذكر أن استعانتك بطبيب ليست علامة ضعف بل دليل نضج وإنسانية.
التعافى رحلة طويلة لكنها ممكنة
لا يوجد جدول زمنى واضح لتعافى أى مريض نفسى فالأمر يختلف من شخص لآخر حسب نوع المرض وشدته والدعم المتاح له، لذلك لا تربط دعمك بتوقيتات أو نتائج سريعة، الأهم أن تبقى بجانبه باستمرار وأن تخلق حوله بيئة تسمح له بالتقدم ولو بخطوات صغيرة، فكل كلمة دعم وكل لحظة تفهم تصنع فارقا كبيرا فى رحلته نحو الشفاء.