لماذا تبدأ السنة الهجرية في محرم رغم أن الهجرة كانت بربيع الأول؟

الهجرة النبوية الشريفة تمثل حدثًا محوريًا في التاريخ الإسلامي، فهي اللحظة التي انتقل فيها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ليبدأ عهد جديد في بناء الدولة الإسلامية، ورغم أن هذا الحدث العظيم وقع في شهر ربيع الأول، إلا أن السنة الهجرية كما هو معروف تبدأ بشهر محرم، وهو ما يثير التساؤل بين كثير من المسلمين عن سبب هذا الترتيب، وما الحكمة من جعل محرم هو بداية التقويم الهجري.
بداية التقويم الهجري.. رؤية الخليفة عمر بن الخطاب
ترجع بداية اعتماد التقويم الهجري إلى عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث شعر المسلمون حينها بالحاجة إلى توثيق الأحداث والمعاملات بتاريخ موحد يعبر عن هوية الأمة الإسلامية، فعقد عمر بن الخطاب اجتماعًا ضم كبار الصحابة وأهل المشورة من بينهم علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما وغيرهما، وبدأ النقاش حول اختيار الحدث الذي يُعتبر بداية للسنة الإسلامية.
انقسمت الآراء ما بين تأريخ ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بداية بعثته الشريفة، أو تاريخ وفاته، لكن الرأي الراجح الذي أجمع عليه الحاضرون هو أن الهجرة تمثل نقطة التحول الأهم في التاريخ الإسلامي، حيث انتقلت الدعوة من مرحلة الاضطهاد إلى التمكين، وتم تأسيس أول دولة إسلامية، وبذلك اتُفِق أن تكون الهجرة هي المرجع الزمني لبداية التأريخ الإسلامي.
لماذا اختير محرم لبداية السنة رغم أن الهجرة وقعت في ربيع الأول؟
على الرغم من أن الهجرة النبوية تمت فعليًا في شهر ربيع الأول، إلا أن السنة الهجرية اعتمدت أن تبدأ من شهر محرم، والسبب في ذلك يرجع إلى أن شهر محرم هو أول شهر يلي توقيت البيعة والعزم على تنفيذ الهجرة، كما أن شهر محرم يعد من الأشهر الحرم التي كان العرب يقدسونها قبل الإسلام، ما جعله مناسبًا ليكون بداية لكل عام.
كما أن الأشهر الهجرية اعتمدت نظام التقويم القمري المكون من 12 شهرًا، ومن الطبيعي أن تبدأ الدورة السنوية من محرملأنه الشهر الأول في الترتيب، فبدأ التأريخ الهجري من العام الذي حدثت فيه الهجرة ولكن من بداية شهر محرم وليس من شهر وقوع الحدث نفسه.
موعد رأس السنة الهجرية 1447هـ
تبدأ رأس السنة الهجرية الجديدة 1447هـ يوم الخميس الموافق 26 يونيو 2025، وقد أعلنت الحكومة أن هذا اليوم سيكون إجازة رسمية مدفوعة الأجر لجميع العاملين في القطاعين العام والخاص، وذلك احتفالًا بذكرى الهجرة النبوية وبداية عام هجري جديد.
ينتظر المسلمون حول العالم حلول هذه المناسبة لما تحمله من روحانيات وأمنيات متجددة، كما أنها فرصة للتأمل في معاني الصبر والتضحية التي رافقت رحلة الهجرة، والتفكر في بداية جديدة تُبنى على الإيمان والتوكل.
التقويم الهجري.. تأريخ قمري بروح إسلامية
اعتمد المسلمون في الهجرة إلى نظام التقويم القمري الذي يتكون من 12 شهرًا هي: محرم، صفر، ربيع الأول، ربيع الآخر، جمادى الأولى، جمادى الآخرة، رجب، شعبان، رمضان، شوال، ذو القعدة، وذو الحجة، وقد أصبح هذا التقويم مرجعًا رئيسيًا لجميع المناسبات الإسلامية مثل رمضان والحج وعيدي الفطر والأضحى.
ويتميز هذا التقويم بأن السنة فيه أقصر من السنة الميلادية بـ 11 يومًا تقريبًا، وهو ما يسبب تحرك المناسبات الدينية كل عام ضمن التقويم الميلادي.
مكانة الأشهر الحرم
ضمن شهور السنة الهجرية، هناك أربعة أشهر يُطلق عليها «الأشهر الحرم» وهي: محرم، رجب، ذو القعدة، وذو الحجة، وكان العرب قبل الإسلام يعظمونها ويمتنعون فيها عن القتال، وجاء الإسلام فأقر حرمتها ورفع من مكانتها.
وشهر محرم من أبرز تلك الأشهر الحرم، لذا يكتسب أهمية خاصة في التقويم الإسلامي، وهو ما عزز من اختياره ليكون بداية السنة الهجرية تيمّنًا بالخير والبركة.
الأدعية المستحبة في رأس السنة الهجرية
مع اقتراب بداية السنة الهجرية 1447، يحرص كثير من المسلمين على ترديد الأدعية لاستقبال العام الجديد، ومن أبرز الأدعية المستحبة:
اللهم اجعل هذا العام عام خير وسلام ومحبة، اللهم اجعلها سنة خالية من الأوجاع مليئة بالنجاحات والفرح
اللهم في بداية هذا العام جدد أرواحًا أنهكها الحزن، واهد قلوبًا ضلت الطريق، واشف أجسادًا أرهقها المرض، وارزقنا السكينة والرضا
اللهم اجعلها سنة شفاء لكل مريض، وفرج لكل مهموم، وتوفيق لكل من ضل طريقه، ورضا لك عنا جميعًا
الهجرة النبوية.. دروس خالدة تتجدد في كل عام
كلما جاءت ذكرى الهجرة النبوية، يتجدد في قلوب المسلمين مشاعر الإيمان والتأمل، فهي ليست مجرد انتقال جغرافي من مدينة إلى أخرى، بل هي تحوّل حضاري وإيماني له جذور عميقة في تاريخ الأمة، وقد أصبحت الهجرة رمزًا للثبات على الحق والصبر على الشدائد، والانتقال من الضعف إلى القوة، ومن العزلة إلى التمكين.
تظل الهجرة النبوية هي الأساس الذي بُني عليه التقويم الإسلامي، ويظل شهر محرم رمزًا لبداية جديدة يتذكر فيها المسلمون هذا الحدث الخالد الذي غيّر مجرى التاريخ، وبقي أثره إلى يومنا هذا، ومع حلول عام هجري جديد، يتجدد الأمل في النفوس بأن يكون عامًا مباركًا يحمل في طياته الخير والبركة والسلام.