هل يكتب الله علينا الذنب قبل أن نفعله؟.. الإفتاء تفسر المسألة

الإفتاء تؤكد أن الإنسان يتحرك في حياته ضمن مساحتين واضحتين هما مساحة «الاختيار» ومساحة «الإجبار» وذلك في إطار علم الله الشامل الذي لا يتنافى مع حرية الإرادة حيث أوضح الشيخ حسن اليداك أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية أن كل ما يعيشه الإنسان من أحداث سواء كانت خيرًا أو شرًا يقع تحت «علم الله» إلا أن الفرق الجوهري يكمن في أن هناك أمورًا لا يتحكم فيها الإنسان مثل نوعه أو لونه أو زمن ولادته في حين أن هناك جوانب في الحياة خُيّر فيها الإنسان ويحاسب عليها.
الفرق بين ما هو مقدر وما هو اختياري
أوضح أمين الفتوى في دار الإفتاء خلال ظهوره في أحد البرامج التلفزيونية أن حياة الإنسان تنقسم إلى شقين رئيسيين الأول إجباري لا دخل له فيه مثل الجنس واللون والطول والعائلة وتوقيت الميلاد وهذه كلها تقع ضمن «القدر الإلهي المطلق» الذي لا يتحكم فيه العبد بأي صورة من الصور بل تُعد من الأمور التي جرت بقضاء الله وحكمته وأضاف أن هذه الجوانب التي لم يخترها الإنسان تُعبّر عن «تقدير الله الخالص» لحياة البشر.
مساحة السعي والمحاسبة
أما الجزء الثاني من حياة الإنسان وفق ما ذكره أمين الفتوى في دار الإفتاء فهو ما يطلق عليه «النموذج الاختياري» وفيه يُترك للإنسان مساحة يتحرك فيها بحرية ويقرر مصيره وفق ما يشاء مثل اختيار التعليم أو طريق المهنة أو حتى الطريقة التي يبني بها ذاته ويطور بها حياته وهذا هو ميدان السعي الذي يُحاسب عليه الإنسان وتُكتب له فيه الحسنات أو السيئات حسب ما يفعل ويقرر وقد أكد أن هذه المساحة من الاختيار هي التي تُظهر «قيم المسؤولية والحرية» في حياة الإنسان.
علم الله لا ينفي حرية الإرادة
وشدد أمين الفتوى في دار الإفتاء على أن «علم الله الشامل» بما سيكون لا يعني أبدًا أن الإنسان مُجبر على أفعاله بل إن الله يعلم كل ما يحدث وما سيحدث ولكنه لا يُجبر الإنسان عليه وقد ضرب مثالًا واضحًا على ذلك بأن من يصنع آلة يعلم حدود طاقتها لكنه لا يُجبرها على العمل بطريقة واحدة بل يترك لها المساحة لتتحرك ضمن ما صُممت من أجله وهو نفس الأمر في حياة الإنسان حيث يعلم الله كل ما يمكن أن يقوم به العبد لكنه لا يجبره على فعل أي شيء.
الاختيار بين الخير والشر
واستكمل أمين الفتوى في دار الإفتاء شرحه بتوضيح أن الله سبحانه وتعالى أعطى الإنسان أدوات يختار بها الخير أو الشر ومثال ذلك السكين التي يمكن استخدامها في قطع التفاح أو في إيذاء إنسان آخر والاختيار في هذه الحالة يرجع إلى الإنسان نفسه وليس إلى الله وهذا هو جوهر المسألة التي توضح أن الله خلق الأدوات وترك المجال للإنسان أن يختار بها الطريق الذي يسلكه ويحاسب عليه.
السعي والعقل والقدرة
أكد الشيخ اليداك أن الإنسان مطالب بأن «يسعى» في المساحة التي خُيّر فيها وأن يستخدم ما منحه الله من «عقل وقدرة وتمييز» ليقرر لنفسه ما يناسبه من مسارات وأفعال وقد شدد على أن هذا لا يتنافى مع الإيمان بأن كل شيء في الكون إنما يحدث بعلم الله وقدرته مشيرًا إلى أن الإنسان لا يُحاسب على ما لا يتحكم فيه بل يُحاسب على ما امتلك القدرة عليه واتخذه بقراره الحر.
أسئلة تحتاج إلى توضيح واسع
وختم أمين الفتوى في دار الإفتاء حديثه بأن مثل هذه الأسئلة التي تتعلق بالعلاقة بين «القدر والاختيار» تحتاج إلى شرح أوسع قد يتطلب حلقات كاملة لأنها تتصل بجوانب فلسفية وعقيدية عميقة تلامس طبيعة الإنسان وفهمه لدور الإله في الحياة وأن التفريق بين «ما هو من صنع الإنسان» و«ما هو من تقدير الله» أمر يحتاج إلى وعي وعلم وفقه حتى لا يقع الناس في الخطأ أو الحيرة في مثل هذه المسائل الدقيقة.
منهج الإفتاء في هذه القضايا
اتضح من كلام الشيخ اليداك أن دار الإفتاء المصرية تتبع منهجًا عقلانيًا ومتوازنًا في تناول القضايا الفلسفية والدينية الكبرى فهي تؤكد على حق الإنسان في الاختيار دون أن تنفي كون الله سبحانه وتعالى يعلم كل شيء كما تسعى دائمًا إلى طمأنة المسلم بأنه لا يُحاسب إلا على ما اختاره بإرادته وأن كل ما جرى عليه دون تدخله فهو من تقدير الله الذي لا مؤاخذة عليه فيه.
تقدم دار الإفتاء المصرية رؤية متكاملة تبين أن الإنسان حر في اختياراته ضمن حدود معينة وضعها الله له وأن علم الله بالأحداث لا يعني أن الإنسان مجبر على القيام بها بل أن الله تعالى خلق للإنسان العقل والقدرة وأعطاه الحرية والمسؤولية ومن ثم فإن عليه أن يسلك الطريق الصحيح ويتحمل نتيجة اختياراته مع الثقة بأن الله عادل لا يظلم أحدًا ولا يُحاسب العبد على أمر لم يكن بيده.