هل يجيز الشرع «تشريح الجثث» لكشف قضايا سرقة الأعضاء؟.. عالم أزهري يجيب

الجثث تمثل في الشريعة الإسلامية موضع حرمة عظيمة، حيث أكد العلماء أن جسد الإنسان له قدسية لا يجوز انتهاكها سواء في حياته أو بعد وفاته، وقد شدد الدكتور أسامة قابيل أحد علماء الأزهر الشريف على هذه الحقيقة الشرعية مذكرا بقول النبي ﷺ «كسر عظم الميت ككسره حيا»، وهو نص نبوي واضح يدل على أن «حرمة الجثث» بعد الوفاة مثل حرمة الأحياء تماما، الأمر الذي يجعل مسألة نبش القبور أو استخراج الجثث قضية حساسة ترتبط بأحكام الشرع وضوابط القانون معا.
الأصل في الشريعة هو صون حرمة الجثث
أوضح العالم الأزهري أن الأصل الشرعي في التعامل مع القبور هو عدم جواز نبشها أو استخراج الجثث المدفونة فيها، لأن ذلك يعد تعديا على كرامة الميت وانتهاكا لمشاعر أهله وذويه، فالشريعة الإسلامية تنظر إلى الجثث على أنها أمانة يجب صيانتها من كل عبث أو امتهان، مشيرا إلى أن الميت في قبره له حرمة مثلما كان له وهو حي، فلا يجوز المساس بجسده إلا لحاجة ملحة ومعتبرة شرعا.
استثناءات محددة تتيح استخراج الجثث
رغم أن القاعدة العامة هي المنع، إلا أن الدكتور قابيل أكد أن هناك استثناءات واضحة تجيز استخراج الجثث، وهذه الاستثناءات لا تكون إلا بوجود شبهة جنائية أو ضرورة قضائية، بحيث تكون المصلحة متحققة لإظهار الحقيقة وكشف ملابسات جريمة محتملة، وضرب مثالا بما يجري حاليا من جدل حول قضية اللاعب الراحل إبراهيم شيكا، مبينا أن استخراج الجثث في هذه الحالة لا يجوز أن يتم إلا عبر قرار رسمي من النيابة العامة وتحت إشراف مباشر من الطب الشرعي، وبالقدر الذي يحقق المصلحة دون إفراط أو تفريط.
الجثث والضوابط القانونية والشرعية
تابع العالم الأزهري أن التعامل مع الجثث في مثل هذه القضايا يجب أن يكون منضبطا بضوابط القانون والشريعة معا، فلا يجوز أن يترك الأمر للأهواء أو الأقاويل المتداولة بين الناس، مؤكدا أن «التحقيقات الجنائية» وحدها هي التي تحدد مدى الحاجة إلى هذا الإجراء، وأن الالتزام بالشرع يحمي المجتمع من الانزلاق إلى انتهاكات خطيرة لحرمة الموتى.
التحذير من الشائعات حول الجثث
وشدد الدكتور قابيل على ضرورة الحذر من الشائعات والادعاءات التي قد تنتشر بين الناس حول الجثث أو حول أسباب الوفاة، موضحا أن الانسياق وراء هذه الشائعات دون بينة أو دليل قد يؤدي إلى ظلم وتشويه سمعة أبرياء، وذكر بقول الله تعالى «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين»، ليؤكد أن الواجب الشرعي يحتم التثبت والتحقق قبل إطلاق أي حكم أو اتهام.
التوازن بين حرمة الجثث وتحقيق العدالة
وأشار العالم الأزهري إلى أن الإسلام يوازن دائما بين صيانة حرمة الجثث وبين حق المجتمع في كشف الحقيقة وتحقيق العدالة، وهذا التوازن لا يمكن أن يتحقق إلا عبر المؤسسات الرسمية المختصة التي تعمل وفق أحكام الشريعة والقانون، فنبش القبور أو استخراج الجثث لا ينبغي أن يكون خاضعا للأهواء الفردية أو الضغوط الشعبية، بل هو إجراء استثنائي يخضع لإشراف الدولة ويهدف إلى إظهار الحقائق وحماية المجتمع.
رسالة صبر لأسرة الفقيد
ودعا الدكتور قابيل أسرة اللاعب الراحل إبراهيم شيكا إلى التحلي بالصبر وضبط النفس، والوثوق في أن العدالة ستأخذ مجراها، مؤكدا أن الله سبحانه وتعالى لا يرضى بالظلم، وأن أي اعتداء على الأجساد أو أي استغلال للجثث في تجارة الأعضاء يعد من الكبائر التي تستوجب عقاب الله في الدنيا والآخرة، وشدد على أن الأمل معقود على أن ينال كل ذي حق حقه وأن تتحقق العدالة وفق أحكام الشرع.
الجثث قضية أخلاقية وإنسانية
وختم العالم الأزهري حديثه بالإشارة إلى أن قضية الجثث ليست مسألة قانونية فقط، وإنما هي قضية إنسانية وأخلاقية في المقام الأول، فالحفاظ على حرمة الجثث يمثل أحد مظاهر احترام الإنسان بعد موته، كما أن حماية المجتمع من الجرائم وكشف الحقيقة يمثل جانبا آخر من جوانب العدل الذي جاءت به الشريعة الإسلامية، لذلك فإن أي نقاش حول استخراج الجثث يجب أن يظل منضبطا بهذه القيم العليا، بعيدا عن المزايدات أو الاستغلال الإعلامي.