الإفتاء توضح حكم الزكاة لدعم المقبلين على الزواج شرعا
الزكاة تمثل أحد أهم الركائز الشرعية التي تقوم عليها حياة المسلم الروحية والمجتمعية، وقد أكدت دار الإفتاء من جديد أن «الزكاة» ليست مجرد عبادة مالية عابرة بل هي منظومة متكاملة تهدف إلى حماية المجتمع وتقوية روابطه، وفي هذا السياق أوضحت الدار أن إخراج الزكاة يجوز لتوفير فرص عمل للشباب ومساندتهم في تكاليف تعليمهم ومساعدة من أراد الزواج ولم يستطع تحمل نفقاته بشراء مستلزماته، وهو توجيه يعكس عمق البعد الإنساني والاجتماعي الذي تقوم عليه «الزكاة» باعتبارها وسيلة لتحقيق التكافل وتحقيق الأمن الاقتصادي للأفراد المستضعفين في المجتمع، وقد جاء هذا التأكيد من خلال منشور رسمي عبر الصفحة الرسمية لدار الإفتاء على موقع فيسبوك حيث شددت فيه على أن دعم الشباب في المجالات الحيوية مثل العمل والتعليم والزواج يدخل ضمن مصارف «الزكاة» طالما كان المستحق عاجزًا عن توفير احتياجاته الأساسية.
ضوابط شرعية حول إقراض المال من أموال الزكاة
أشارت دار الإفتاء في منشورها إلى مسألة مهمة تتعلق بإقراض المال للشباب الراغبين في مشروعات صغيرة أو لتقوية أوضاعهم المالية حيث أوضحت أن إقراض الشاب بحيث يستثمر مبلغ القرض ثم يقوم برده ولو على أقساط لا يعد من مصارف الزكاة، وذلك لأن «الزكاة» يشترط فيها التمليك المباشر للمستحق، أي أن يحصل المستفيد على المال ملكًا تامًا وليس قرضًا مستردًا، ولهذا بيّنت الدار أنه يمكن إنشاء صندوق خاص لمن يرغب في إقراض الشباب على أن يعتمد هذا الصندوق على التبرعات والصدقات لا على أموال «الزكاة»، إذ إن التمييز بين ما يجوز صرفه من الزكاة وما لا يجوز يحفظ العبادة من مخالفة شروطها الشرعية ويضمن وصول المال إلى مستحقيه على الوجه الصحيح.
فضل الزكاة وآثارها الروحية والاجتماعية
إن الحديث عن «الزكاة» لا يكتمل إلا ببيان فضلها العظيم وآثارها الواسعة في حياة المسلم والمجتمع، فالزكاة تكمل إسلام الإنسان لأنها ركن أصيل من أركان الشريعة، كما تمثل طاعة لله عز وجل وإظهارًا للرغبة في ثوابه، وتعمل على تقوية العلاقات بين الغني والفقير وترسيخ المحبة بين أفراد المجتمع، كما تذكر النفس وتطهرها وتبعد عنها البخل والشح، وتربي المسلم على الجود والعطاء والكرم والعطف على المحتاجين، ومن فضل «الزكاة» أنها سبب لزيادة الخير والبركة في الأموال لأنها طاعة يرضاها الله ويجازي عليها بالبركة والنماء، كما أنها سبب من أسباب دخول الجنة لأن العبد حين يؤدي حق الله في ماله فإنه يفتح لنفسه أبواب الخير في الدنيا والآخرة، وتسهم «الزكاة» كذلك في جعل المجتمع متماسكًا رحيمًا يعين قويه ضعيفه، وتعد وقاية من حر يوم القيامة لأنها من الأعمال التي يثقل الله بها ميزان الأعمال وتطفئ غضبه.
التحذير الشرعي من الامتناع عن إخراج الزكاة
لقد جاءت نصوص كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية للتحذير من الامتناع عن إخراج «الزكاة»، ومن ذلك قول الله تعالى في سورة التوبة في وصف من يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله حيث يتوعدهم بعذاب أليم يوم القيامة حين تحمى عليهم صفائح النار وتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، وهو تصوير مخيف يبين خطورة ترك الزكاة وما يترتب على ذلك من عقوبة عظيمة، كما ورد في السنة النبوية أن الممتنع عن إخراج الزكاة يأتي يوم القيامة وقد تحول ماله إلى «شجاع أقرع» أي حية ضخمة ذات منظر مخيف تطوقه وتقول له أنا مالك وأنا كنزك، وهذا المشهد يحمل رسالة واضحة بأن المال الذي لم يُزك يصبح سببًا في عذاب صاحبه بدلًا من أن يكون نعمة له.
وتضمنت الأحاديث الشريفة كذلك بيان العقاب الذي ينزل بمن لم يخرج زكاة الأنعام مثل الإبل والبقر والغنم، حيث ورد أن هذه الأنعام تأتي يوم القيامة بأحسن صورة وكانت في الدنيا إذا لم يؤد صاحبها حقها تطؤه بأخفافها أو أظلافها وتنطحه بقرونها عقابًا له على منع حقها، وكلما حاول الاستغاثة لا يجد من ينصره، وفي رواية أخرى أن الذهب والفضة التي لم يخرج صاحبها زكاتها تصفح له صفائح من نار يكوى بها جنباه وجبينه وظهره في يوم مقداره خمسون ألف سنة وهو عذاب شديد يدل على مدى خطورة منع حق الله.
عقوبة مانع الزكاة في الدنيا
لم تقتصر العقوبات على الآخرة فقط، بل جاءت النصوص ببيان ما يصيب مانع «الزكاة» في الدنيا من العقوبات، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن القوم إذا منعوا زكاة أموالهم منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، وهذا يدل على أن منع الزكاة يؤدي إلى حبس الخير عن الناس وذهاب البركة وانتشار الفقر والحاجة ووقوع الأمراض، كما أن المال الذي لا يُزكى يذهب خيره ويصبح سببًا للضيق والخسارة بدلًا من أن يكون وسيلة للراحة والرخاء، وهذه العقوبات الدنيوية تذكير للمسلم بأن إخراج «الزكاة» ليس إحسانًا فحسب بل هو واجب شرعي يترتب على تركه فساد في المجتمع وضيق في الرزق وحرمان من بركات السماء.
الزكاة بين العبادة والإصلاح الاقتصادي
إن المتأمل في أحكام «الزكاة» يدرك أنها ليست مجرد عبادة روحية بل هي نظام اقتصادي متكامل يهدف إلى معالجة الفقر وعدم المساواة وتحقيق التوازن بين أفراد المجتمع، وقد جعل الله الزكاة وسيلة لتمويل الفقراء والمساكين والغارمين وذوي الحاجات، كما جعلها بابًا لتحقيق التنمية من خلال تمليك المستحقين ما يعينهم على العمل والإنتاج، ولذلك فإن توجيهات دار الإفتاء حول جواز إعطاء «الزكاة» للشباب الراغبين في العمل أو الزواج تأتي في سياق رؤية شاملة لتقوية المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية.



