أمين الإفتاء يحسم الجدل حول سجود الشكر المشروع
يُعد موضوع سجود الشكر من الموضوعات التي تثار حولها الأسئلة المتكررة من جموع المسلمين الراغبين في معرفة الحكم الشرعي الصحيح لهذا العمل التعبدي الذي يعبر عن الامتنان لله سبحانه وتعالى، وقد حرصت دار الإفتاء المصرية من خلال تصريحات أمناء الفتوى على توضيح ما يتعلق بـ «سجود الشكر» وبيان حكمه ومشروعيته والغاية المقصودة منه، ويؤكد العلماء أن سجود الشكر هو تعبير مباشر عن الاعتراف بفضل الله على عبده وأنه شكل من أشكال العبودية القلبية والعملية التي يظهر فيها العبد خضوعه وحمده للمنعم المتفضل، ولذلك فإن الحديث عن سجود الشكر لا يقتصر على الحكم الشرعي فحسب بل يمتد إلى بيان أثره الروحي والتربوي في حياة المسلم.
رأي أمين الفتوى حول مشروعية سجود الشكر
أجاب الشيخ أحمد وسام أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية عن سؤال تكرر كثيرًا وهو هل يشرع للمسلم أن يؤدي سجود الشكر بعد كل صلاة، وقد أوضح الشيخ بعبارة واضحة وبأسلوب مطمئن أنه «لا مانع شرعًا» من أداء هذا السجود بعد الفراغ من الصلاة، مبينًا أن بعض المصلين يقومون به تعبيرًا عن الامتنان لله تعالى على ما وفقهم إليه من أداء الصلاة وحسن القيام بها والمحافظة على ذكره سبحانه، وقد أكد أن سجود الشكر ليس من شروط صحة الصلاة وليس جزءًا من هيئتها الواجبة بل هو عبادة مستقلة يؤديها من شاء دون أن يعتقد أنها واجبة أو لازمة عقب كل صلاة.
وأشار أمين الفتوى إلى أن هذا النوع من السجود يدخل في دائرة الاستحباب لأنه يعبر عن شعور المؤمن بنعمة الله التي لا تنقطع عنه، وأن القيام به يعمق في القلب معنى «الشكر» الذي يعد أصلًا من أصول الإيمان، كما يفتح للعبد بابًا من أبواب القرب الروحي حيث يجد المسلم في سجود الشكر فرصة ليعبر لله عز وجل عن امتنانه على نعمة الحياة والهداية والطاعة، وقد أوضح أن المواظبة عليه ليست مفروضة ولكنها مستحبة لمن أحب أن يديم صلته بالله تعالى.
الغاية العميقة من سجود الشكر
أكد الشيخ أحمد وسام أن الهدف من سجود الشكر يتمثل في تحقيق معنى العبودية الخالصة لله سبحانه وتعالى، فالإنسان عندما يؤدي هذا السجود يشعر بأنه يتقرب إلى الله بقلب خاشع وبجوارح خاضعة، وأنه يعترف للنفس قبل أن يعترف للناس بأن كل نعمة إنما جاءت من رب العالمين، وهذا الشعور يرسخ في قلب المسلم معنى «الامتنان لله» ويجعله أكثر وعيًا بقيمة النعم التي يعيش فيها، ولذلك فإن سجود الشكر ليس مجرد حركة بدنية بل هو عبادة تجمع بين روحانية السجود وعمق معنى الشكر.
ما الذي يقال في سجود الشكر
ورد سؤال آخر يتعلق بما ينبغي على المسلم أن يقوله أثناء سجود الشكر وهل هناك صيغة محددة ملزمة، وهنا جاءت الإجابة من الدكتورة إيمان أبو قورة عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية التي أكدت أن سجود الشكر ثابت ومشروع عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ورد في كتب السنن أن الرسول كان إذا جاءه أمر يسعده أو بُشِّر بخير خر ساجدًا لله شكرًا، وهذا دليل واضح على أن هذه العبادة من السنن العملية المؤكدة.
وأوضحت الدكتورة أن المسلم إذا سجد شكرًا لله فلا يلزمه دعاء بعينه بل يكفيه أن يقول التسبيحات المعروفة في السجود مثل «سبحان ربي الأعلى» وهي من الأذكار المستحبة التي تحقق معنى الخضوع في هذا الموضع المبارك، كما ذكرت الروايات التي وردت عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي كان يقول في سجوده «سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين» وفي رواية أخرى «من غير حول مني ولا قوة تبارك الله أحسن الخالقين» وهذه الكلمات تحمل في مضمونها أعظم معاني التوحيد والإقرار بالفضل الإلهي، ولذلك فإن قولها في سجود الشكر يعد من السنن التي يحب كثير من المسلمين اتباعها.
الحكمة الروحية من سجود الشكر
شددت عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى على أن الغاية من سجود الشكر ليست في مجرد السجود ذاته بل في استحضار القلب لمعنى الامتنان لله عز وجل، فالدعاء فيه واسع ولا يضيق على المسلم بما يقول بل يفتح له الباب ليعبر عما يجول في خاطره من شكر واعتراف بفضل الله، مؤكدة أن حضور القلب هو الركن الأهم لأن الشكر الحقيقي لا يتحقق إلا إذا استشعر العبد عظمة المنعم ودوام عطائه، وهنا يظهر أثر سجود الشكر في تربية النفس على التواضع لله والاعتراف المستمر بأن كل نجاح أو نعمة أو دفع للبلاء إنما هو من عطاء الله وحده.
الفرق بين سجود الشكر وصلاة الشكر
ومن المسائل التي أوضحتها دار الإفتاء أيضًا الفرق بين سجود الشكر وصلاة الشكر، فقد بيّن الدكتور محمود شلبي أمين الفتوى أن الأولى عبارة عن سجدة واحدة يؤديها المسلم فور سماع خبر سار أو حصول نعمة أو اندفاع بلاء، وهي لا تحتاج لوقت معين بل تفعل متى وجد سببها، أما صلاة الشكر فهي ركعتان بنية شكر الله على فضله، وتعد من صلاة النفل المطلق غير المقيدة بوقت محدد فيجوز أداؤها في أي وقت إلا في أوقات الكراهة وهي بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس وبعد صلاة العصر حتى غروب الشمس وقبل الظهر بقليل، وهذا الفرق مهم لأن بعض الناس يخلطون بينهما دون معرفة دقيقة.
المعنى الشامل لسجود الشكر في حياة المسلم
وفي النهاية يتضح أن سجود الشكر عبادة عظيمة الأثر في حياة المؤمن لأنها تربط قلبه بالله في لحظات الفرح والنجاح والنجاة، وتجعل من كل حدث سعيد مناسبة لتجديد العهد مع الله، كما تمنح المسلم فرصة للتعبير عن مشاعره الإيمانية بطريقة عملية تشعره بالقرب من ربه، ولذلك فإن تعلم أحكام سجود الشكر وفهم غايته يعين المسلم على أداء هذه العبادة بوعي وخشوع ويجعله أكثر إدراكًا لمعاني الشكر التي أمر الله بها في كتابه الكريم.