هل يجوز إمامة الجالس للمصلين؟.. الإفتاء توضح الحكم
أجابت دار الإفتاء المصرية ممثلة في الشيخ أحمد وسام أمين الفتوى عن سؤال يتردد كثيرًا داخل المساجد وبين كبار السن، ويتعلق بحكم إمامة رجل كبير في السن يصلي جالسًا على الكرسي لعدم قدرته على القيام، وهل يجوز له أن يؤم المصلين الأصحاء أم لا، وهو سؤال يعكس حرص الناس على صحة عبادتهم ومعرفة الرأي الشرعي الصحيح في مثل هذه الحالات التي تكثر في الواقع العملي.
وأكد الشيخ أحمد وسام أن الإفتاء تنطلق في أحكامها من مقاصد الشريعة التي راعت أحوال المكلفين وقدراتهم الجسدية والنفسية، ولم تُكلف الإنسان ما لا يطيق، مشيرًا إلى أن «الصلاة» عمود الدين، وقد جاء الشرع بالتيسير فيها عند وجود العذر، سواء كان مرضًا أو كبر سن أو عجزًا عن أداء بعض الأركان على هيئتها الكاملة.
الإفتاء والخروج من الخلاف الفقهي
وأوضح أمين الفتوى في دار الإفتاء أن الأولى خروجًا من الخلاف بين العلماء، أنه إذا وُجد في جماعة المصلين شخص قادر على أداء الصلاة قائمًا مستوفيًا أركانها وهيئاتها الكاملة، فإنه يكون أَولى بالإمامة من الرجل الذي يصلي جالسًا على الكرسي، وذلك من باب تحصيل الأكمل في هيئة الصلاة، وليس من باب الطعن في صحة صلاة العاجز أو التقليل من شأنه.
وشددت الإفتاء على أن هذا الترجيح إنما هو من باب الاستحباب والتنظيم، وليس على سبيل الوجوب أو التحريم، لأن الشريعة فرّقت بين ما هو أولى وأكمل، وبين ما هو جائز وصحيح، فربما يكون الأمر جائزًا شرعًا لكنه ليس الأولى عند وجود بديل أكمل.
الإفتاء تؤكد صحة صلاة الجالس
وبيّن الشيخ أحمد وسام أن الإفتاء ترى أن صلاة من يصلي جالسًا لعذر صحيحة بلا خلاف معتبر، وأن عجزه عن القيام لا يُسقط عنه فرض الصلاة ولا يُبطل صلاته، بل يصلي على قدر استطاعته، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم «صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب»، وهو أصل عظيم في التيسير ورفع الحرج.
وأضاف أن الإفتاء أكدت أن هذا العذر معتبر شرعًا، ولا يؤثر على صحة الصلاة، سواء صلاة الفرد أو صلاة الجماعة خلفه، ما دام العجز حقيقيًا وليس تكاسلًا أو تهاونًا، وهو ما يُراعيه الفقه الإسلامي بدقة.
الإفتاء وجواز إمامة الجالس للأصحاء
وأشار أمين الفتوى إلى أن الإفتاء تنقل عن جماعة من العلماء قولهم بجواز إمامة من يصلي جالسًا للأصحاء، وأن صلاتهم خلفه صحيحة شرعًا، لأن العذر الذي من أجله قعد الإمام لا يمنع صحة الاقتداء به، طالما استوفى أركان الصلاة على قدر استطاعته.
وأكدت الإفتاء أن هذه المسألة من المسائل الفقهية التي وقع فيها خلاف معتبر بين العلماء، وأن القول بالجواز قول قوي وله أدلته، خاصة إذا لم يوجد غيره، أو كان هو الإمام الراتب للمسجد، أو كان أكثر علمًا بالقرآن وأحكام الصلاة من غيره.
الإفتاء والصلاة على الكرسي عند العجز
وفي سياق متصل، أوضحت دار الإفتاء المصرية أن الصلاة بالقعود على الكرسي جائزة عند العجز عن القيام، سواء في الفريضة أو النافلة، وأنها تأخذ نفس أحكام الصلاة بالقعود على الأرض بلا فرق، لأن الشرع لم يخص القعود بكونه على الأرض فقط، ولم يرد في النصوص ما يمنع الجلوس على الكرسي.
وأكدت الإفتاء أن هذا الحكم لم يخالف فيه أحد من علماء المسلمين المعتبرين، وأن استخدام الكرسي هو من باب تحقيق المقصود من العبادة، وهو أداء الصلاة بحسب الاستطاعة، مع الحفاظ على الخشوع والطمأنينة قدر الإمكان.
الإفتاء وتنظيم الصلاة في المساجد
وأضافت دار الإفتاء عبر بياناتها الرسمية أن على من ابتُلي بالعجز أن يبذل وسعه في الأكمل من هيئات الصلاة، فيراعي ما يستطيع أداءه من الركوع والسجود، وأن يلتزم بالضوابط العامة للصلاة في المسجد، وألا يضيّق على المصلين أو يسبب فوضى في الصفوف.
وشددت الإفتاء على أهمية المحافظة على النظام المعروف في المساجد، واحترام الجماعة، والتعاون بين المصلين، بما يحقق مقاصد العبادة ويعكس روح الأخوة والتراحم التي دعا إليها الإسلام.
الإفتاء ورسالة التيسير
واختتمت الإفتاء توضيحاتها بالتأكيد على أن الشريعة الإسلامية قائمة على اليسر ورفع الحرج، وأن اختلاف أحوال الناس من صحة ومرض وقوة وضعف أمر معتبر في الأحكام الشرعية، وأن «العبادة» لا تسقط عن الإنسان ما دام العقل حاضرًا، وإنما تُؤدى بحسب القدرة.
وأكدت دار الإفتاء أن مراعاة هذه الأحكام تساهم في طمأنة قلوب الناس، خاصة كبار السن وأصحاب الأعذار، وتشجعهم على المواظبة على الصلاة والجماعة دون شعور بالحرج أو التقصير، وهو ما يعكس سماحة الإسلام وعدله.



