كثير من الدارسين قليل من المتعلمين
بقلم- محمدالنجار
العِلم إرث الأنبياء وهو السراج الذي ينير الدروب والمنارة التي يهتدي بها كل ضال، وهو ضرورة لمواصلة الحضارة وركيزة أساسية في تقدم الأمم، فما سادت أمة على أمة إلا بالعلم، ولأهل العلم صفات يعرفون بها ولعل أبرزها هو التواضع والفضول تجاه المعرفة وسمو الأخلاق، فبالعلم تجذب العقول وبالأخلاق تجذب القلوب، وأي إنسان لا توجد به هذه الصفات لا تحملني نفسي على وصفه بالمتعلم.
ومن المعروف لدينا أن الجاهل هو من لم يحالفه الحظ ليتلقى قسط من التعليم الأكاديمي في المدارس او المعاهد ثم الجامعات، ولكن هذه نظرة أعتبرها قاصرة الآن وفي هذا العِقد بالتحديد، فبصرف النظر عن كيفية الحصول على الشهادة بالغش أو التزوير أو بالمال فليست هي من تحدد قيمة الشخص ومدى نبوغه وإحتمالية نجاحه، ف عباس العقاد المفكر والأديب والفيلسوف وعضو مجمع اللغة العربية لم يحصل إلا على الشهادة الإبتدائية فقط! وتوماس إديسون مخترع المصباح لم يلتحق بالمدارس إلا لثلاثة أشهر واتهمته معلمته بأنه بليد.
ومن المعاصرين لدينا بيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت التي غيرت ملامح التطور التكنولوچي في العالم ورغم ذلك لم يكمل دراسته الجامعية، وكثير غيرهم ممن تركوا الأثر وبلغوا النجاح في حياتهم، وبالرغم من أهمية العِلم فإنه يصبح مجردًا بدون التفكير فالعلم يمد العقل فقط بلوازم المعرفة، أما التفكير فيجعلنا نملك ما نتعلم، لذلك فإن كثرة الدراسة لا تعلمنا كيفية التفكير، بدليل أن هناك أطباء ومهندسين وجدناهم في صفوف الجماعات الإرهابية فصح فيهم قوله تعالى "كمثل الحمار يحمل أسفارا" ولذلك أيضا قال النبي "اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع".
وحتى اذا أخدنا قضية التعليم على ما ألفناه، فكم من الحاصلين على الشهادات الثانوية وبالكاد يستطيعون كتابة أحرف أسمائهم، فأصبح التعليم الآن واجهة إجتماعية بغرض التفاخر، بعد أن كان غاية في حد ذاته.
وحديثي هنا ليس عن العلم، فأغلى ما يمكن أن يحصل عليه المرء في حياته هو العلم، ولكن حديثي هنا عمن توهموا أنهم نالوا العلم بشهادة قد تكون مجهولة المصدر أو بالطرق الملتوية أو بالمال ثم جالوا يتفاخرون بها، وبذلك يضربوا أحط الأمثال في الإستعراض الخالي من الإنجاز، فالله أرجوا أن يرزقنا العِلم النافع والفَهم المستنير وأن ينفعنا بما تعلمنا.