بعد الإبادة الجماعية من سيدفع فاتورة إعمار غزة؟ وهل تشارك إسرائيل؟
كتبت-زينب سعيد
باتت التساؤلات تُطرح حيال الجهة التي سوف تدفع فاتورة إعمار قطاع غزة الذي يتعرض لدمار كبير مع استمرار الحرب، ويواجه قطاع غزة مهمة شاقة تتمثل في إعادة البناء بعد انتهاء الحرب الدائرة بين حماس وإسرائيل، لاسيما وأن التقديرات تذهب إلى أن التكلفة عشرات المليارات من الدولارات.
وأشارت منظمات إغاثة إنه يتعذر الوقوف على حصيلة الخسائر البشرية الناجمة عن الصراع في القطاع نظرا لتزايد عدد الضحايا، لكن الحال لا ينطبق على الخسائر المادية إذ ذهبت التقديرات الأولية إلى أن تكاليف إعادة بناء ما دمره القصف الإسرائيلي في غزة ربما تتجاوز عتبة الخمسين مليار دولار أي ما يعادل 46.4 مليار يورو.
ويشار أن إسرائيل لم تكشف بعد عن خطتها بخصوص ماهية الجهة التي سوف تحكم غزة إذا نجحت في هدفها المتمثل في تدمير حماس، فيما استبعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اضطلاع السلطة الفلسطينية بدور بغزة بعد انتهاء الحرب.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية مؤخرا أنه نتنياهو أبلغ مسؤولين سياسيين بأن السعودية والإمارات على استعداد لتحمل فاتورة إعادة الإعمار، لكن لم يصدر أي تعليق من الرياض وأبو ظبي حيال تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية.
وتم تقديم اقتراح بأن يقوم الأوروبيون بدفع الفاتورة، لاسيما وأن الاتحاد الأوروبي وعلى وجه الخصوص ألمانيا من أكبر الجهات المانحة للمساعدات الإنسانية المقدمة للفلسطينيين، وبدورها تعد الولايات المتحدة إحدى أكبر الجهات المتبرعة مما عزز القول بأنه ربما ستتم دعوتها للمشاركة في تمويل خطة إعادة الإعمار.
-كبير المعلقين بالشئوون الخارجية يعلق علي فاتورة إعمار غزة
أفادت تقارير أن تساؤلات طُرحت خلف الكواليس داخل دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة وأوروبا حيال السبب في دفع الملايين من أموال دافعي الضرائب مرة أخرى لإعادة إعمار قطاع غزة، فيما من المرجح أن يتعرض للقصف مرة أخرى في المستقبل القريب.
وفي مقال بصحيفة “فايننشال تايمز”، كتب الصحافي جدعون راشمان، كبير المعلقين بقسم الشؤون الخارجية بالصحيفة، “لقد سمعت كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي يقولون بشكل صريح إن أوروبا لن تدفع تكاليف إعادة إعمار غزة (خاصة أن ما تحتاجه أوكرانيا من أموال يعد كبيرا)”.
وأضاف “يبدو أن الكونغرس يعارض كافة أشكال المساعدات الخارجية”.
هل ستدفع إسرائيل في إعمار غزة؟
وبرزت دعوات تطالب إسرائيل بدفع ثمن الأضرار التي تسببت بها على ضوء أن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات دولية أخرى تعتبر إسرائيل “قوة احتلال”، لذا يجب عليها تحمل مسؤولية إعادة البناء.
وكانت إسرائيل قد وافقت عام 2010 على دفع تعويضات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” بقيمة 10.5 مليون دولار مقابل المباني التي دُمرت خلال موجة سابقة من الصراع في غزة قبل ذلك بعام.
وأثارت التعويضات في حينه الجدل في إسرائيل حيث تساءل البعض عما إذا كانت التعويضات تحمل في طياتها اعترافا إسرائيليا ضمنيا بالمسؤولية، فيما طالبت منظمات حقوقية إسرائيل بدفع المزيد للضحايا، لكن يبدو أن ذلك مثل حالة نادرة وافقت فيها إسرائيل على دفع تعويضات.
ومنذ هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي، تقصف إسرائيل قطاع غزة الذي يسكنه أكثر من مليوني فلسطيني مع توسيع عملياتها البرية في القطاع ومنع دخول الغذاء والمياه والكهرباء ومعظم المساعدات إلى القطاع.
-الخسائر التي تواجهها غزة بسبب الاحتلال
يذكر أن حركة حماس، مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
وأسفر القتال والقصف في غزة عن تدمير أكثر من نصف المباني اي ما يقدر بقرابة خمسين ألف وحدة سكنية مع تضرر أكثر من مائتي ألف وحدة أخرى فضلا عن تدمير عشرات المستشفيات ومئات المدارس والمباني الحكومية والمنشآت الزراعية. وقد جرء بناء هذه المرافق التي تم تدميرها من تبرعات الجهات المانحة.
وخلال موجة الصراع الأخيرة في غزة عام 2021، جرى تدمير حوالي ألف وحدة سكنية وتجارية مع تضرر أكثر من 16 ألفا من السكان وستين مدرسة فيما بلغت فاتورة إعادة الإعمار في حينه حوالي 8 مليارات دولار (7.4 مليار يورو).
وفي تعليقها، قالت مارتا لورينزو، مديرة مكتب الأونروا في أوروبا، إن الصراع الحالي غير مسبوق على صعيد الأضرار والدمار”، مضيفة “لا يمكن مقارنة هذا الصراع بأي حرب سابقة دارت رحاها في غزة.”
وأشارت إلى أنه “من الصعب للغاية الآن معرفة تكلفة إعادة الإعمار، لكنها لن تكون مسؤولية جهة مانحة واحدة فقط”. وفي مقابلة مع DW، قالت “سيتم عقد مؤتمر للمانحين مع انتهاء العنف إذ نتوقع أن يتقاسم المجتمع الدولي مسؤولية إعادة الإعمار”.
تمويل غزة.. المشكلة سياسية!
ومع توقعات بارتفاع فاتورة إعادة إعمار غزة، تساؤل كثيرون حيال الجهة التي سوف تتحمل نصيب الأسد وتدفع الجانب الأكبر من التمويل، لكن يبدو أن الإجابة على هذا التساؤل الملح ليست بالأمر السهل في ضوء أن قضية تمويل المساعدات وإعادة الإعمار في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل عام، دائما ما كانت تتسم بالشحن السياسي.
ومثلت حماس، التي تدير قطاع غزة منذ 2007، مشكلة للجهات المانحة وسط تساؤلات حيال كيفية إيصال المساعدات والأموال التي يحتاجها سكان القطاع دون التورط في تمويل أنشطة حماس العسكرية.
ويُضاف إلى ذلك تدهور الاقتصاد في غزة في ظل حصار ممتد منذ أكثر من 16 عاما واتهام حماس بإهمال القطاع ما دفع الأمم المتحدة إلى القول بأن نحو 80 بالمائة من سكان غزة اعتمدوا العام الماضي على المساعدات.
وتقدم الأونروا القسم الأكبر من المساعدات بما في ذلك خدمات الرعاية الاجتماعية والمدارس والعيادات الصحية إذ تعد ثاني أكبر جهة توظيف في غزة، لكنها تعرضت أيضا لانتقادات إذ صدرت تصريحات من مسؤولين كبار في الحكومة الإسرائيلية تفيد بالرغبة في التخلص من الأونروا.
في المقابل، تؤكد الجهات و الدول المانحة أن المنظمة تعد ضرورية.
جدل آلية إعادة الإعمار
ويقول مراقبون إنه عندما يتطرق الحديث إلى إعادة إعمار غزة ، فدائما ما يرافق ذلك الجدل حول الآلية المعتمدة في مجال التنظيم.
وقد تم إنشاء “آلية إعادة إعمارغزة” عام 2014 كإجراء مؤقت لمنع حماس من الحصول على مواد البناء “ذات الاستخدام المزدوج” التي يمكن استخدامها في بناء الأنفاق، لكن الأمر اتسم في نهاية المطاف بمزيد من التعقيد والبيروقراطية المفرطة ما أدى إلى تأخر دخول المواد وزيادة تكاليف البناء بنسبة تصل إلى 20 بالمائة.
وفي هذا الإطار جرى اتهام المقاولين الإسرائيليين بالتلاعب بـ “آلية إعادة الأعمار” من أجل التربح ما دفع عمال البناء في غزة إلى مقاطعة الأعمال المنضوية تحت راية الآلية.
لا حل في الأفق
وفي ضوء هذه المعطيات، توقع ثان براون، الزميل البارز في برنامج الشرق الأوسط التابع لمؤسسة كارنيغي للسلام، أن يزداد الأمر سوءا في الوقت الراهن
وفي مقابلة مع DW، أضاف بأن “السياسة تشكل العقبة وليس التمويل، فإذا حسم اللاعبون الرئيسيون مثل إسرائيل والجانب الفلسطيني والجهات الإقليمية والغربية الفاعلة قضية مستقبل غزة سواء عبر حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة أو أي شيء آخر.. فالمال لن يكون المشكلة.”
وأشار براون إلى أن الكثير من المانحين سيكونون على استعداد للتبرع إذا بدا أن الأزمة في طريقها إلى الحل الدائم.
وأفادت تقارير مؤخرا أن الإمارات ستُقدم على دفع تكاليف إعادة البناء في غزة، لكن في إطار حل الدولتين، فيما أشار براون إلى منطقية الطرح الإماراتي، قائلا: “عدا ذلك فإنه سيُنظر إلى (حكومة الإمارات) من قبل شعبها بأنها تمول إعادة احتلال إسرائيلي لغزة.”
-خبير يؤكد صعوبة الوصول إلي حل دائم
لكن الخبير في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي أكد صعوبة الوصول إلى حل دائم، قائلا: “لا أرى أي شيء سيحدث من هذا القبيل حيث نتوقع ترتيبات مؤقتة تسمح لمعظم الجهات الفاعلة الرئيسية بإيجاد طرق للتغلب على العوائق”
-تعرف على أكبر 20 حكومة مانحة لبرامج وكالة الأونروا
-الولايات المتحدة 343.9 مليون.
-ألمانيا 202.1 مليون.
- الاتحاد الأوروبي 114.2 مليون.
-السويد 61 مليون.
- النرويج 34.2 مليون.
-اليابان 30.2 مليون.
-فرنسا 28.9 مليون.
-السعودية 27 مليون.
-سويسرا 25.5 مليون.
-تركيا 25.2 مليون.
-كندا 23.7 مليون.
-هولندا 21.2 مليون.
-المملكة المتحدة 21.2 مليون.
-إيطاليا 18 مليون.
-الدنمارك 15.9 مليون.
-أستراليا 13.8 مليون.
- إسبانيا 13.6 مليون.
-بلجيكا 12.6 مليون.
-الكويت 12 مليون.
-قطر 10.5 مليون.
-بما في ذلك الحكومات الإقليمية.
-بما في ذلك حكومة فلاندرز.
-بما في ذلك الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية.
-انهيار الاقتصاد وتزايد الخسائر في حالة استمرار الحرب لشهور
أكد مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أنه في حالة استمرار الحرب بين حركة حماس وإسرائيل، لشهور مقبلة، فإن حجم الضرر من الناحية الاقتصادية وما سيلحق به من خسائر لن تستطيع إسرائيل تحملها، كل يوم إضافي يستنزف الكثير من القوى العاملة المعطلة والمحاصيل الزراعية التي تتضرر وقطاع السياحة المتوقف؛ بمعنى آخر "اقتصاد معطل من الإنتاجية"، ذلك الأمر سيترتب عليه ارتفاع الدين بالموازنة الإسرائيلية، وأيضاً سيؤدي إلى الضغط على العملة أمام الدولار، الحال أيضاً بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني المنهك بالأساس، والذي يحتاج إلى عديد من المساعدات المالية والفنية.
دور مصر والدول العربية في إعادة إعمار غزة؟
ساهمت مصر عام في إعادة إعمار قطاع غزة بمبلغ 500 مليون دولار عام 2021، والان على استعداد للمساعدة مرة أخرى في إعادة الاعمار، وأيضا هناك استعدادا لدى دول الخليج لاستثمار مبالغ كبيرة في إعادة إعمار قطاع غزة
ولكن بشروط حسب ما نقلته صحيفة إسرائيلية وهما شرطين، الأول: وجود خارطة طريق لحل القضية الفلسطينية، والثاني: إجراء تغييرات كبيرة يتعين على السلطة الفلسطينية القيام بها، بما يتضمن مناصب في القيادة أيضا، وفق كان الإسرائيلية.
وخلال الأيام القليلة الماضية، كانت هناك عدة تقارير، تفيد بأن "الإمارات ستدفع بالفعل تكاليف إعادة البناء في غزة، ولكن فقط إذا تم ضمان حل الدولتين". ولكن براون يقول إن "التوصل إلى حل دائم يبدو غير مرجح في الوقت الراهن".
وكشف المركز العربي بواشنطن، أنه "في الوقت الحالي، هناك الكثير من الأسئلة دون إجابة"، مستفسر "إذا لم يكن هناك حكم شرعي في غزة، فهل سيكون المانحون مرتاحين لإرسال عشرات الملايين من الدولارات؟ يريدون بعض الضمانات لمستقبل سياسي من نوع مختلف قبل أن يرسلوا كل هذه الأموال مرة أخرى".
كما أشار إلى أنه "إذا كان الأوروبيون والأمريكيون غير راضين حقاً عن تعرض الدفيئات الزراعية والمدارس والمستشفيات التي يساعدون في بنائها لدوامات متكررة من العنف، فيتعين عليهم أن يبذلوا محاولات أكثر تصميما للمساعدة في حل الحرب الفلسطينية الإسرائيلية".