هل يجوز فصل الأجهزة الطبية عن المريض الميؤوس من شفائه؟.. الإفتاء تجيب
أثارت قضية فصل الأجهزة الطبية عن المرضى الذين يعانون من حالات ميؤوس من شفائها العديد من التساؤلات الشرعية والأخلاقية، خاصةً في ظل التطور الطبي الحديث، وفي هذا السياق ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية حول حكم فصل الأجهزة الطبية عن المريض الميؤوس من شفائه، وما الفرق بين ذلك وبين ما يُعرف بالقتل الرحيم.
رأي دار الإفتاء في فصل الأجهزة الطبية
أوضحت دار الإفتاء المصرية في إجابتها أن فصل الأجهزة الطبية عن المريض الذي لا يُرجى شفاؤه يُعد جائزًا شرعًا في حال كان استخدامها يقتصر على إبقاء حياته دون أن تحقق تقدمًا في حالته الصحية، وهو ما يُطلق عليه "الموت الإكلينيكي"، وأكدت الدار أن هذا الإجراء لا يُعتبر من قبيل التعدي على الحياة إذا كان بناءً على نصيحة الأطباء المتخصصين.
وأشارت الإفتاء إلى أن الأجهزة الطبية التي تُستخدم لأغراض أخرى، مثل تسهيل التنفس أو سحب السوائل لتحسين حالة المريض، لا يجوز رفعها، وأوضحت أن هذا الأمر يختلف تمامًا عن القتل الرحيم، الذي يتضمن إنهاء حياة المريض بناءً على طلبه أو بقرار من الطبيب بسبب الإعاقة أو شدة الألم، واعتبرت الإفتاء أن القتل الرحيم يعد إقدامًا على إزهاق الروح وهو محرم شرعًا بشكل قاطع.
الفرق بين رفع الأجهزة الطبية والقتل الرحيم
تطرقت دار الإفتاء إلى توضيح الفرق الجوهري بين فصل الأجهزة الطبية والقتل الرحيم، في حالة فصل الأجهزة، يكون المريض في وضع "الموت الإكلينيكي"، أي أن حياته تعتمد بالكامل على الأجهزة دون وجود أمل في الشفاء، أما القتل الرحيم، فهو إجراء يهدف إلى إنهاء حياة المريض بشكل فعال لتخفيف الألم أو بسبب العجز، سواء بطلب منه أو بقرار من الطبيب، وهذا يُعد قتلاً للنفس التي حرَّم الله قتلها إلا بالحق.
وأكدت الإفتاء أن حياة الإنسان ليست ملكًا له ليقرر إنهاءها، وأن الألم أو الإعاقة لا يبرران القتل، وأشارت إلى أن التعامل مع الألم يكون من خلال الرعاية الطبية المناسبة وليس عبر إنهاء الحياة.
حكم استخدام أموال الزكاة لتجهيز العناية المركزة
وفي سياق متصل، تناولت دار الإفتاء مسألة استخدام أموال الزكاة لتجهيز وحدات العناية المركزة وشراء الأجهزة الطبية اللازمة لعلاج المرضى الفقراء، وأوضحت أن الأصل في الزكاة هو تمليكها للفقراء والمحتاجين مباشرة، لكنها أشارت إلى أنه يجوز استثناءً استخدام أموال الزكاة لتجهيز المستشفيات أو شراء الأجهزة الطبية الضرورية لعلاج الفقراء.
وأوضحت الدار أن هذا الاستثناء يأتي من باب التوسع في مفهوم مصرف "في سبيل الله"، الذي يشمل كل ما يحقق مصلحة عامة ويخفف من معاناة الناس، وأشارت إلى أن بعض العلماء يرون أن مصرف "في سبيل الله" يتسع ليشمل كل القُرَب وسبل الخير ومصالح الناس العامة، خاصة في الحالات التي تعسر فيها تمليك الزكاة للفقراء بشكل مباشر.
الدعوة إلى مزيد من الوعي المجتمعي
دعت دار الإفتاء إلى أهمية تعزيز الوعي المجتمعي حول القضايا المتعلقة بالأخلاقيات الطبية من منظور شرعي، وشددت على أن القرارات المتعلقة بفصل الأجهزة الطبية يجب أن تكون مدروسة بعناية وبالتنسيق مع الأطباء المتخصصين والمؤسسات الدينية لضمان توافقها مع القيم الإنسانية والشرعية.
إن قضية فصل الأجهزة الطبية عن المرضى الميؤوس من شفائهم تُعد من القضايا الحساسة التي تتطلب توازنًا دقيقًا بين الجوانب الطبية والأخلاقية والشرعية، وقد أوضحت دار الإفتاء المصرية أن الشريعة الإسلامية تميز بين الإجراءات الطبية التي تهدف إلى تخفيف معاناة المريض والمحافظة على كرامته، وبين الأفعال التي تؤدي إلى إزهاق الروح بشكل متعمد، وفي الوقت ذاته أكدت على أهمية استثمار أموال الزكاة في تحسين الخدمات الصحية لصالح الفقراء والمحتاجين، مما يعكس البعد الإنساني والرحمة في التشريع الإسلامي.