الإفتاء توضح الحكم الشرعي للوساطة في البيع والشراء عبر الإنترنت

أوضح الدكتور هشام ربيع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال لقائه مع الإعلامية زينب سعد الدين في برنامج “فتاوى الناس” المذاع على قناة الناس، حكم البيع عبر الإنترنت باستخدام الوساطة، حيث يتمكن المشتري من شراء السلعة عبر وسيط إلكتروني دون أن يكون هذا الوسيط مالكًا للسلعة.
وأكد أن هذا النوع من البيع يعد صحيحًا من الناحية الشرعية، موضحًا أن عملية البيع تتم بين التاجر، الذي يمتلك المنتج بالفعل، وبين المشتري، بينما يعمل الوسيط الإلكتروني كحلقة وصل بين الطرفين، وأشار إلى أن المشتري يقوم بالدفع عبر المنصة الإلكترونية، التي بدورها تنقل الطلب إلى التاجر أو المصنع ليتم شحن المنتج مباشرة إلى المشتري.
آلية البيع عبر الوسيط الإلكتروني من الناحية الشرعية
أكد الدكتور هشام ربيع أن هذه المعاملة لا تتضمن أي محظورات شرعية، طالما أن المنتج المعلن عنه يتم تسليمه للمشتري وفقًا للمواصفات المتفق عليها، كما أوضح أن المال الذي يحصل عليه التاجر مقابل بيع المنتج يعد حلالًا، طالما تم الالتزام بالشروط المعلنة ولم يكن هناك أي نوع من الغش أو التدليس في البيع، وأضاف أن المسؤولية تقع على التاجر في حالة وجود اختلاف بين ما تم الإعلان عنه وما يحصل عليه المشتري، حيث يحق للمشتري في هذه الحالة المطالبة باستبدال المنتج أو استرجاعه.
حالات إرجاع المنتج وشروطه الشرعية
فيما يتعلق بإمكانية إرجاع المنتج بعد استخدامه، أشار أمين الفتوى إلى أن الأمر يعتمد على الشروط المتفق عليها مسبقًا بين المشتري والتاجر، فإذا كان العقد المبرم بينهما يسمح بإرجاع المنتج بعد الاستخدام وفقًا لسياسة الاستبدال والاسترجاع، فإن ذلك يكون جائزًا، أما إذا لم ينص الاتفاق على ذلك، فإن المشتري لا يملك الحق في إعادة المنتج، مؤكدًا أن البيع في هذه الحالة يظل صحيحًا من الناحية الشرعية، طالما أن جميع الأطراف التزموا بالشروط المتفق عليها مسبقًا.
ضوابط البيع الحلال عبر الإنترنت
اختتم الدكتور هشام ربيع أمين الفتوي بالإفتاء حديثه بالتأكيد على أن البيع عبر الإنترنت باستخدام الوسيط يعتبر حلالًا، بشرط أن يكون البيع واضحًا وصريحًا بين جميع الأطراف، وألا يكون هناك خداع أو تلاعب بالمواصفات، كما شدد على ضرورة التزام التجار بالصدق والأمانة في عرض المنتجات، حتى يكون المال المكتسب من هذه العمليات التجارية مشروعًا، وأشار إلى أن الإسلام يشجع على التجارة الحلال التي تعتمد على الوضوح والشفافية في التعامل، دون استغلال أو غش للمستهلكين.
وفي سياق متصل، ورد إلى دار الإفتاء المصرية سؤال يستفسر عن حكم الشرع في التأمين على الحياة ومدى توافقه مع أحكام الشريعة الإسلامية، وقد أجابت دار الإفتاء بأن التأمين على الحياة جائز شرعًا، حيث إنه في مجمله صورة من صور التكافل والتعاون بين الناس، وهو نظام يقوم على الإيثار والمواساة، ويتماشى مع القيم الأخلاقية التي حثت عليها الشريعة الإسلامية، فقد جاء الإسلام بتعاليم تدعو إلى التعاون والترابط الاجتماعي، وتؤكد على أهمية مساعدة المحتاجين والتخفيف عنهم في أوقات الأزمات والمحن.
البر والتقوى
وقد أمر الله تعالى عباده بالتعاون على البر والتقوى، فقال في كتابه العزيز: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2]، كما أكد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أهمية التعاون بين المسلمين في الحديث الشريف: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، ومن هذا المنطلق، يتضح أن كل ما يحقق مصلحة الأفراد والجماعة، ويؤدي إلى تحقيق التكافل الاجتماعي، هو أمر مشروع في الإسلام، وقد أوضح شيخ الإسلام الطاهر بن عاشور في تفسيره “التحرير والتنوير” أن فائدة التعاون تكمن في تيسير العمل، وتوفير المصالح، وإظهار روح الاتحاد بين الناس حتى يصبح ذلك خلقًا عامًّا في الأمة.
الرحمة والتكافل
ولما كان الإسلام دين الرحمة والتكافل، فقد وضع نظامًا اجتماعيًّا محكمًا يُسهم في سد احتياجات الفقراء والمحتاجين، ويخفف عنهم الأعباء، فأوجب الزكاة وجعلها ركنًا من أركان الإسلام، كما حث على الصدقات، وبيَّن فضلها وأثرها في تحقيق التكافل بين المسلمين، ومن هذا المنطلق، فإن التأمين على الحياة يعد صورة من صور التكافل الحديثة التي تحقق مقاصد الشريعة الإسلامية، حيث يقوم على فكرة مشاركة المخاطر وتخفيف الأعباء عن الأفراد وأسرهم في حال تعرضهم لأحداث غير متوقعة، وهو ما يجعله متوافقًا مع المبادئ الإسلامية التي تدعو إلى تحقيق المصلحة العامة ورفع الضرر عن الناس.
القانون المدني
وقد عرَّف القانون المدني المصري التأمين على أنه عقد يلتزم بموجبه المؤمِّن بدفع مبلغ مالي أو أي عوض آخر للمؤمَّن له أو المستفيد عند وقوع الحادث المتفق عليه، وذلك مقابل أقساط مالية يدفعها المؤمَّن له للمؤمِّن، وهذا النوع من العقود يقوم على التراضي بين الطرفين، ولا يتضمن أي صورة من صور الغرر أو الضرر، وهو ما يجعله داخلًا في دائرة العقود المشروعة وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
التأمين على الحياة
أما عن الأدلة الشرعية التي تدل على جواز التأمين على الحياة، فقد استندت دار الإفتاء إلى عدة نصوص من الكتاب والسنة، فمن القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، وهذه الآية جاءت بصيغة العموم، مما يعني أن كل عقد يبرمه الإنسان يكون جائزًا ما لم يتضمن محظورًا شرعيًّا، وعقد التأمين على الحياة لا يخالف أي أصل من أصول الشريعة، بل يحقق مصالح الناس ويرفع عنهم المشقة والضرر.
السنة النبوية
أما من السنة النبوية، فقد استدل العلماء بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي رواه عمرو بن يثربي الضمري، حيث قال: شهدتُ خُطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمِنًى، وكان فيما خَطَب: «وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ» رواه الإمام أحمد في “المسند” والدارقطني والبيهقي في “السنن”، وهذا الحديث يدل على أن الأصل في المعاملات المالية هو التراضي، وبما أن عقد التأمين يتم بالتراضي بين الطرفين، ولا يتضمن أي صورة من صور الإكراه أو الغرر، فإنه يكون حلالًا ولا حرج فيه.
كما أن العرف له اعتباره في الشريعة الإسلامية، وقد جرى العرف في العصر الحديث على التعامل بعقود التأمين كوسيلة مشروعة لحماية الأفراد من المخاطر المحتملة، وقد أقر الإسلام العرف كمصدر من مصادر التشريع، فقال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف: 199]، كما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ» رواه الإمام أحمد في “المسند” والطبراني في “المعجم الأوسط” والحاكم في “المستدرك”، وبناءً على ذلك، فإن ما اعتاده الناس وأصبح وسيلة لتحقيق المصالح المشروعة يكون معتبرًا شرعًا، ولا يوجد ما يمنع الأخذ به ما دام لا يخالف نصًّا صريحًا من الكتاب أو السنة.
وخلاصة القول، إن التأمين على الحياة هو عقد جائز شرعًا، لأنه يحقق مصلحة المتعاقدين، ويعتمد على التراضي، كما أنه يندرج ضمن صور التعاون والتكافل الاجتماعي التي أقرها الإسلام، وقد جاءت الأدلة الشرعية لتؤكد جوازه، سواء من القرآن الكريم أو السنة النبوية أو القواعد الفقهية العامة التي تدعو إلى تحقيق المصلحة ورفع الضرر عن الناس، ولذلك فلا حرج على المسلم في الاشتراك في هذا النوع من التأمين، طالما أنه يتوافق مع الضوابط الشرعية ولا يتضمن أي صورة من صور الظلم أو الاستغلال.