حقيقة تصفيد الشياطين في رمضان ومن المسؤول عن الوسوسة؟

يُعَدّ شهر رمضان من الأشهر المباركة التي خصّها الله بمزايا عديدة، ومن بين هذه الفضائل ما ورد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ”، مما يثير تساؤلات حول معنى تصفيد الشياطين وكيفية استمرار وقوع المعاصي في هذا الشهر.
فسّر العلماء هذا الحديث بطرق مختلفة، فبعضهم رأى أن التصفيد حقيقي، أي أن الشياطين تُقيّد وتُغلّ في هذا الشهر، مما يمنعها من الحركة المطلقة، لكن ذلك لا يعني أنها لا تستطيع التأثير جزئيًا.
كما ذهب آخرون إلى أن التصفيد مجازي، بمعنى أن الشياطين تُضعف عن التأثير على المؤمنين، نظرًا لاشتغالهم بالطاعات وكثرة العبادات التي تحصّنهم من وساوسهم.
ويرى بعض العلماء أن التصفيد يشمل مردة الشياطين فقط، أي كبار الشياطين الذين لهم التأثير الأكبر في الإغواء، بينما الشياطين العادية قد تبقى لها القدرة على الوسوسة، ولكن بفاعلية أقل من غير رمضان.
كما أشار الإمام ابن عبد البر إلى أن تصفيد الشياطين قد يعني أن الله يحفظ المؤمنين من شرورها أكثر من المعتاد، فلا تصل إليهم بسهولة كما تفعل في بقية شهور السنة.
تفسير استمرار وقوع المعاصي في رمضان
رغم تصفيد الشياطين، يلاحظ الكثيرون أن المعاصي لا تتوقف تمامًا خلال شهر رمضان، مما يثير التساؤل حول السبب وراء ذلك. وقد أشار العلماء إلى عدة تفسيرات لهذا الأمر:
1.تصفيد الشياطين لا يعني إلغاء تأثير النفس الأمارة بالسوء، فحتى مع غياب وسوسة الشيطان المباشرة، تظل النفس البشرية قادرة على دفع الإنسان نحو المعاصي، خاصة إذا كان معتادًا على ذلك قبل رمضان.
2.التصفيد قد يكون خاصًا بالصائمين الصادقين الذين يلتزمون بشروط الصيام وآدابه، أما أولئك الذين لا يحافظون على صيامهم أو يتهاونون في العبادة فقد لا يُحرمون من تأثير الشياطين عليهم.
3.الشرور ليست من فعل الشياطين فقط، فهناك شياطين الإنس الذين قد يكون لهم دور في إفساد غيرهم، بالإضافة إلى تأثير العادات السيئة التي تراكمت لدى الإنسان طوال العام، مما يجعله يستمر في بعض المعاصي حتى في غياب الوسوسة الشيطانية المباشرة.
4.التصفيد قد لا يشمل جميع الشياطين، وإنما ينطبق على المردة منهم، أما الشياطين العاديون فقد يبقون قادرين على الوسوسة ولكن بفاعلية أقل من الشهور الأخرى.
فضل شهر رمضان وبركته في مواجهة الشيطان
لا شك أن رمضان شهر استثنائي من حيث البركة والخير، فقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم أن أبواب الجنة تُفتح وأبواب النار تُغلق، مما يدل على زيادة الأعمال الصالحة وانخفاض مستوى الشرور مقارنة بغيره من الشهور. كما أن الصيام يقمع الشهوات ويضعف تأثير الشيطان، مما يجعل النفوس أكثر استعدادًا للطاعة وأقل ميلًا للمعصية.
كما أن الاشتغال بالعبادة، مثل قراءة القرآن، وصلاة التراويح، والذكر، والاستغفار، يقلل من تأثير الوسوسة الشيطانية، فحتى لو بقي للشيطان قدرة محدودة على التأثير، فإن الأجواء الإيمانية في رمضان تقلل من فرص نجاحه في إغواء الناس.
التفسير الروحي والعلمي لتصفيد الشياطين
يذهب بعض العلماء إلى أن تصفيد الشياطين في رمضان ليس تصفيدًا ماديًا حرفيًا، بل هو إشارة رمزية إلى ضعف تأثيرهم بسبب بركات الشهر الكريم. فالعبادات في رمضان تخلق حالة روحية خاصة تجعل الإنسان أكثر قدرة على مقاومة نزغات الشيطان، حتى لو لم يكن هناك تقييد مادي لهم.
كما أشار بعض العلماء إلى أن التصفيد قد يكون جزئيًا، أي أن الشياطين تُقيّد عن بعض الأفعال، لكن ليس عن جميعها، مما يسمح بوقوع بعض الذنوب ولكن بدرجة أقل من بقية الشهور.
وقد أوضح الإمام المُناوي أن تصفيد الشياطين مجازي، ويعني أن الله يحمي عباده الصالحين من تأثيرهم، وهذا يفسر سبب استمرار بعض الناس في المعاصي، بينما يكون غيرهم أكثر التزامًا بالطاعات في رمضان.
رغم اختلاف التفسيرات حول معنى تصفيد الشياطين في رمضان، إلا أن الثابت هو أن هذا الشهر المبارك يُعد فرصة عظيمة للابتعاد عن المعاصي، حيث يُعين الجو الإيماني والعبادات على مواجهة وساوس الشيطان.
ومع ذلك، فإن الإنسان يظل مسؤولًا عن أفعاله، فحتى في غياب التأثير الشيطاني المباشر، تبقى النفس البشرية قادرة على دفعه نحو الخير أو الشر. لذا، فإن الواجب على المسلم هو استغلال رمضان لتقوية إيمانه والابتعاد عن الذنوب، حتى بعد انقضاء الشهر المبارك.