إنجازاً طبياً جديدًا.. أول سيدة بريطانية تنجب بعد زراعة رحم

في لحظة اختلط فيها العلم بالأمل، دوّنت جريس ديفيدسون اسمها في سجل الإنجازات الطبية البريطانية والعالمية، بعدما أصبحت أول سيدة في المملكة المتحدة تُرزق بطفلة بعد خضوعها لعملية زراعة رحم ناجحة، حيث أنجبت مولودتها الأولى والتي اختارت لها اسم “إيمي إيزابيل”، وذلك تكريمًا لاثنتين كان لهما دورٌ مفصلي في رحلتها، الأولى هي شقيقتها “إيمي” التي منحتها رحمها دون تردد، والثانية هي الجراحة “إيزابيل كيروجا” التي ساعدت في إجراء الزراعة وفقًا لتقنية معقدة وحديثة، لم تكن لتتحقق لولا سنوات من البحث والتجارب المتواصلة.
من التشخيص بالعقم إلى الحلم بالولادة
القصة لم تبدأ مع قرار الزراعة، بل تعود إلى سنوات مضت حين تلقت جريس، وهي في مرحلة المراهقة، تشخيصًا طبيًا صادمًا، حيث أخبرها الأطباء بأنها مصابة بحالة مرضية نادرة تُدعى “متلازمة ماير-روكيتانسكي-كوستر-هاوزر”، وهي متلازمة تؤدي إلى غياب الرحم أو نقص شديد في نموه، على الرغم من سلامة المبايض ووجود الصفات الأنثوية الثانوية، هذا التشخيص حسم في حينه أن الحمل والإنجاب أمران غير ممكنين بالنسبة لها، على الأقل من منظور الطب في تلك المرحلة، إلا أن الأمل ظل يسكن قلبها، وجعلها تتمسك بأي بصيص ضوء يمكن أن يبدد ظلام العقم ويعيد لها حلم الأمومة.
ما هي متلازمة ماير-روكيتانسكي-كوستر-هاوزر؟
تُعد هذه المتلازمة من الحالات الطبية النادرة، وتؤثر على نحو امرأة واحدة من كل خمسة آلاف امرأة حول العالم، حيث تُولد النساء المصابات بها دون رحم أو برحم غير مكتمل التكوين، بينما تبقى المبايض سليمة وتؤدي وظيفتها بشكل طبيعي، ما يجعل إمكانية الحمل مستحيلة بالطرق التقليدية، غير أن التطورات الجراحية والتقنيات الحديثة مثل زراعة الرحم باتت تُعيد الأمل للنساء المصابات بهذا الاضطراب، مانحة إياهن خيارًا جديدًا لتحقيق حلم الإنجاب.
رحلة علاجية طويلة وأمل لا ينكسر
بمساندة زوجها، خاضت جريس رحلة طويلة من العلاج امتدت لعقد من الزمن، وشملت إجراءات معقدة لتجميد الأجنة، حيث خضع الزوجان لعلاج خصوبة مكثف نتج عنه تكوين سبعة أجنة تم حفظها بالتجميد استعدادًا لإجراء التلقيح الصناعي بعد نجاح عملية زراعة الرحم، وفي فبراير من عام 2023، خضعت جريس للعملية الحاسمة، حيث قامت شقيقتها “إيمي” والبالغة من العمر 42 عامًا بالتبرع برحمها، علمًا بأنها أم لطفلتين تبلغان من العمر 10 و6 سنوات، وقد أجريت العملية بنجاح باهر، ما فتح الباب لمرحلة جديدة من الأمل.
وبعد أشهر قليلة من الزراعة، نُقل أحد الأجنة المجمدة إلى رحم جريس المزروع باستخدام تقنية التلقيح الصناعي، لتبدأ رحلة الحمل التي استمرت تسعة أشهر، وتُتوَّج أخيرًا بولادة الطفلة “إيمي إيزابيل” وسط مشاعر من الفرح والذهول لدى الأسرة والفريق الطبي معًا.
إنجاز طبي يقلب موازين الطب الإنجابي
وصف الجراحون هذه الحالة بأنها إنجاز طبي غير مسبوق في بريطانيا، وجاءت كنتيجة مباشرة لـ 25 عامًا من البحث المستمر بقيادة البروفيسور ريتشارد سميث، الذي يُعد من أبرز الباحثين في مجال زراعة الرحم، وقد كشف سميث أن هناك حاليًا عشر نساء أخريات يخضعن لعلاج خصوبة أو يحتفظن بأجنة مجمدة بانتظار دورهن في عمليات الزراعة، وهي حالات يتم فحصها بعناية شديدة ضمن تجربة سريرية شاملة ومراقبة من قِبل لجان أخلاقية وطبية.
ووفقًا للبروفيسور سميث، فإن تكلفة كل عملية زراعة رحم تُقدّر بنحو 30 ألف جنيه إسترليني، وقد حصل الفريق على ترخيص لإجراء 15 عملية زراعة ضمن الدراسة السريرية، منها خمس عمليات من متبرعات أحياء، وعشر من متبرعات متوفيات، وهو ما يفتح المجال أمام استخدام الأرحام من حالات الوفاة الدماغية بعد التحقق من موافقة المتبرعة أو ذويها، في خطوة تُعد الأولى من نوعها في البلاد.
الأمومة تبدأ من جديد
أما جريس وزوجها، وبعد أن خاضا هذه التجربة الطبية والعاطفية الممتدة، فلا يتوقف طموحهما عند حدود الطفلة الأولى، إذ يعبران عن رغبتهما في محاولة إنجاب طفل آخر من الأجنة المجمدة المتبقية، بعدما أثبت جسد جريس قدرته على الحمل والولادة بعد الزراعة، الأمر الذي قد يُغيّر وجه الطب الإنجابي للأبد، لا في بريطانيا فحسب، بل في جميع أنحاء العالم.
عشرات الآلاف من النساء حول العالم ممن يعتقدن أن العقم نهاية حتمية لحلم الأمومة، وتؤكد أن التقدم العلمي والطبي يمكنه، بفضل الإصرار والإيمان، أن يحوّل المحال إلى واقع، وأن يرسم الابتسامة على وجوه من ظنوا أن الحياة قد تجاوزتهم، لتظل هذه الحكاية رمزًا للانتصار على التحديات الطبية، وشهادة حية على أن الأمل لا يعرف مستحيلًا.