من النيل إلى الحدائق.. طقوس شم النسيم عند النجوم

شم النسيم ليس مجرد عيد ربيعي يمر في التقويم، بل هو مناسبة ضاربة في عمق الهوية المصرية، بعبق ألوان البيض، ورائحة الفسيخ والرنجة، وجمال الربيع، ولكن كيف كانت هذه الأجواء تُعاش في زمن الفن الجميل؟ وكيف استقبل عبد الحليم حافظ، وفاتن حمامة، وشادية، وسعاد حسني هذا اليوم بطقوسه الشعبية المميزة؟ في هذا التقرير نعود بالزمن إلى الوراء، لنرصد كيف كان نجوم الزمن الجميل يحتفلون بشم النسيم، في زمن كانت البساطة فيه عنوان السعادة.
شم النسيم.. عيد مصري فرعوني بروح شعبية
عيد شم النسيم يعد من أقدم الأعياد التي عرفها التاريخ، إذ تعود أصوله إلى العصور الفرعونية، حين كان المصريون يحتفلون بانبعاث الحياة وتجدد الطبيعة، ومع مرّ القرون، تَحول العيد إلى مناسبة اجتماعية يحتفل فيها المصريون من مختلف الأديان والثقافات بتقاليد مميزة تلوين البيض، تناول الفسيخ والرنجة، الخروج إلى الحدائق، والاحتفاء بجمال الربيع، وهذه الروح لم تكن غائبة عن حياة نجوم الفن، بل كانت حاضرة بقوة في تفاصيل يومهم.
عبد الحليم حافظ.. العندليب الذي لم يستغنِ عن الفسيخ
كان العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ يحرص على الاحتفال بشم النسيم بطريقته الخاصة، بعيدًا عن التكلف، ورغم نجوميته وشهرته، لم يكن يتردد في تناول الفسيخ والرنجة مع الأصدقاء، وكان يفضل أن يقضي اليوم في الريف أو على ضفاف النيل، في إحدى حواراته، عبّر عن حبه لهذا العيد قائلاً شم النسيم بالنسبة لي هو يوم الراحة النفسية، واليوم اللي باحس فيه إني مصري خالص، من طين البلد، كما عُرف عنه مشاركته أصدقاءه تلوين البيض بنفسه، في مشهد يؤكد تواضعه وحبّه للأجواء البسيطة.
فاتن حمامة.. سيدة الشاشة التي تلون البيض وتضحك كالأطفال
رغم رقتها وأناقتها، كانت سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة تحتفظ بطقوس شم النسيم كما عاشت طفولتها، وصرحت في أحد لقاءاتها أن البيض الملون كان يمثل فرحة لا تضاهى، كانت تحرص على المشاركة في إعداد وجبة الفسيخ، لكنها كانت تفضل الرنجة لكونها «أخف وطأة«، كما قالت. وكانت تستمتع بالخروج في هذا اليوم بصحبة العائلة إلى الحدائق، خاصة حدائق الجزيرة أو الأندلس، لتعيش أجواء العيد وسط البسطاء.
شادية.. خفة الدم والاحتفال على طريقتها
النجمة شادية، التي كانت رمز البهجة في السينما، نقلت هذه الروح إلى حياتها الشخصية أيضًا. فكانت تحتفل بشم النسيم بطقوس كاملة: تلوين البيض، إعداد الفسيخ والرنجة بنفسها، واستضافة الأصدقاء في بيتها، وتذكر بعض صديقاتها أنها كانت تتفنن في تقديم الرنجة بنكهات مختلفة، وتغني وسط الحضور أغنيات ربيعية، لتتحول المناسبة إلى حفلة شعبية ساحرة داخل جدران منزلها.
سعاد حسني.. سندريلا تنتمي للناس
أما سعاد حسني، فكانت تحتفل بشم النسيم كفتاة مصرية أصيلة، وكانت تحب النزول إلى الحدائق العامة والمشاركة في تلوين البيض مع الأطفال. لم يكن يهمها البهرجة، بل كانت تبحث عن الفرحة البسيطة. تقول عنها إحدى قريباتها "كانت تضحك من قلبها وهي بتاكل فسيخ مع عيش بلدي، وتحب تشارك في كل تفاصيل اليوم، كأنها مش فنانة مشهورة، بل بنت من بنات الحتة."
شم النسيم في أفلام الأبيض والأسود
لم تقتصر علاقة نجوم الزمن الجميل بشم النسيم على حياتهم الشخصية، بل امتدت إلى أعمالهم الفنية. ففي كثير من أفلام تلك الحقبة، ظهرت مشاهد تحتفل بالعيد تنزّه على النيل، أطباق الفسيخ والرنجة على الشرفات، وأطفال يلوّنون البيض. أفلام مثل يوم من عمري وإشاعة حب وأميرة حبي أنا جسدت الأجواء الربيعية والروح المصرية الأصيلة.
قد تمر الأيام وتتغير العادات، لكن تظل لشم النسيم نكهته الخاصة، خصوصًا حين نراه من عدسة الزمن الجميل، فقد أحب نجوم السينما المصرية هذا العيد كما أحبه الشعب، واحتفلوا به بطريقتهم البسيطة التي جمعت بين الطابع الشعبي واللمسة الفنية، وربما في زمننا هذا، حيث تسللت التكنولوجيا لكل شيء، نحتاج أن نتعلم من بساطة هؤلاء العظماء كيف نحتفل بالحياة.. بضحكة، بلون بيضة، أو بقطعة رنجة على عيش بلدي في حضن الربيع.