هل تُحتسب «يمين الطلاق» طلاقا فعليا؟.. الإفتاء توضح الحكم لقول «علي الطلاق»

الإفتاء المصرية كشفت عن واحدة من أكثر العبارات تداولًا بين الناس والتي تثير الحيرة والقلق بين الأزواج وهي عبارة «عليّ الطلاق»، حيث أكد الشيخ محمد عبد السميع، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، أن هذه العبارة لا يقع بسببها الطلاق وإنما تُعامل معاملة اليمين، أي أنها بمثابة حلف وليس طلاقًا من الناحية الشرعية، وجاء ذلك في فيديو نشرته دار الإفتاء عبر قناتها الرسمية على يوتيوب، حيث حرص أمين الفتوى على توضيح الفرق الكبير بين «اليمين» وبين «الطلاق الصريح» من جهة المعنى والأثر.
وأوضح الشيخ عبد السميع أن قول الرجل «عليّ الطلاق» لا ينبغي التعامل معه على أنه طلاق فعلي، بل يجب فهمه في سياقه كنوع من التهديد أو التأكيد أو الانفعال، وهو في أصله يمين وليس من ألفاظ الطلاق الصريحة، وبالتالي فإنه إذا لم ينفذ الرجل ما حلف عليه بهذه العبارة فإنه لا يُعد طالقًا، وإنما عليه إخراج «كفارة يمين» فقط، وتلك الكفارة تتمثل في إطعام عشرة مساكين من طعام معتاد أو ما يكافئه من الكساء، وفي حال تعذر الإطعام أو الكسوة فعليه صيام ثلاثة أيام.
الإفتاء تؤكد أن العلاقة الزوجية لا تتأثر بمثل هذه العبارات
أضاف أمين الفتوى أن مثل هذه الألفاظ لا يجب أن تُستغل أو تُستخدم في التهديد المستمر داخل البيت بين الأزواج، فهي وإن كانت لا تُوقع الطلاق لكنها تُفقد قدسية العلاقة الزوجية وتُدخلها في دائرة التوتر والشكوك، ودار الإفتاء المصرية تُنبه على أهمية توعية الناس بهذا النوع من العبارات المنتشرة التي تُسيء للفهم الديني وتُربك البيوت من غير داع، مؤكدة أن «الإفتاء» تتلقى العديد من الأسئلة حول هذه العبارة تحديدًا ما يدل على شيوع استخدامها بين الأزواج بشكل غير مدروس.
مفهوم اليمين الغموس وفقًا لفتوى الأزهر
وفي سياق متصل أوضح مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية ما يُعرف في الإسلام بـ «اليمين الغموس»، مشيرًا إلى أنه يختلف تمامًا عن اليمين العادي، حيث يُقصد باليمين الغموس ذلك الحلف الكاذب الذي يُغمس صاحبه في الإثم، وسُمي بهذا الاسم لأنه يُغمس الحالف فيه في نار جهنم، خاصة إذا حلف به على أمر من أمور الدنيا بنية الكذب أو لأخذ ما لا يستحق من حقوق الآخرين.
واستشهد مركز الأزهر بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «من حلف على يمين يَستحق بها مالًا وهو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان»، كما أورد المركز الآية القرآنية التي نزلت في هذا الشأن {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}، والتي تؤكد عظم الجُرم الواقع على من يُمارس هذا النوع من الحلف.
هل هناك كفارة لليمين الغموس؟
أوضح مركز الأزهر العالمي أن جمهور الفقهاء يرون أن اليمين الغموس لا كفارة لها وإنما تتطلب توبة صادقة، وتوبة اليمين الغموس تشمل الإقلاع عن الذنب والندم على ما حدث، ورد الحقوق إلى أصحابها، أما فقهاء الشافعية فرأوا وجوب إخراج كفارة يمين إلى جانب التوبة، وهو ما يُعد من باب الاحتياط والورع.
وبحسب ما أورده المركز، فإن كفارة اليمين تتمثل في إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يكن ذلك في قدرة المسلم فعليه صيام ثلاثة أيام، وهذا ما يتفق مع ما ذكره أيضًا الدكتور علي فخر، أمين لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية.
الإفتاء توضح كيفية التعامل مع الحلف على الزوجة
في سياق متصل تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالًا من أحد المتابعين نصه «حلفت على زوجتي بعدم فعل شيء معين ثم أردت أن أسمح لها به، فهل هناك كفارة؟»، فأجاب الدكتور علي فخر في فتوى مسجلة أن من حلف على زوجته بمنعها من أمر ثم تراجع، فلا حرج في ذلك بل عليه إخراج كفارة يمين، مؤكدًا أن الشريعة الإسلامية تشجع دائمًا على اختيار ما هو خير للعلاقات الزوجية.
وأوضح «فخر» أن الرسول الكريم قال: «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها، فكفّر عن يمينك وأتِ الذي هو خير»، وهذا الحديث يُظهر مرونة الشريعة وسماحتها في معالجة مثل هذه المواقف، خاصة إذا ترتب على الحلف ضرر نفسي أو اجتماعي في الأسرة.
الإفتاء تؤكد أهمية عدم التسرع في الأيمان
تُشدد دار الإفتاء المصرية دائمًا على ضرورة الابتعاد عن التسرع في استخدام الأيمان داخل الحياة الزوجية، مؤكدة أن هذه الممارسات قد تُفضي إلى مشكلات لا حصر لها وتُحدث خللًا في العلاقة بين الزوجين، والإفتاء تحث المسلمين على ضبط ألسنتهم، خاصة أن الحلف في غير محله لا ينفع بل قد يضر، وقد يُدخل الإنسان في دائرة الإثم دون أن يدري، كما أن كثرة الحلف منهي عنها شرعًا لأنها تُضعف هيبة الكلمة وتُخل بعقيدة التوكل على الله.
الإفتاء توضح الفرق بين اليمين والطلاق
وفي ختام فتواها، أكدت دار الإفتاء المصرية أن هناك فرقًا واضحًا بين «الطلاق الصريح» وبين «اليمين بالطلاق» مثل قول «عليّ الطلاق»، فالأول يُؤخذ على محمل الجد ويترتب عليه آثار قانونية وشرعية فورية، أما الثاني فهو يدخل في باب الأيمان ويستوجب الكفارة وليس الطلاق، والإفتاء المصرية ترى أن الإكثار من استخدام عبارة «عليّ الطلاق» بشكل متكرر بين الأزواج أمر يُقلق الاستقرار الأسري ويستدعي مراجعة ثقافية ودينية عاجلة.
فدار الإفتاء لا تزال تؤكد في كل مناسبة على ضرورة الرجوع إليها في مثل هذه الأمور وعدم الاعتماد على الفهم الشخصي أو تفسيرات غير المتخصصين، وذلك لأن الفتوى لها ضوابطها الشرعية الدقيقة التي لا ينبغي تجاوزها، ومهمة الإفتاء أن تحفظ بيوت المسلمين من التشتت والانهيار بسبب العبارات غير المحسوبة.