السن المعتبرة في «أضاحي العيد».. دليلك لاختيار الأضحية من الإبل والبقر والغنم

تُعد «الأضحية» من الشعائر العظيمة التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، وقد وضع الشرع الحكيم شروطًا دقيقة تتعلق بها، حتى تكون الأضحية مقبولة ومجزئة عن صاحبها، وتتنوع هذه الشروط بين نوع الحيوان وسنه وسلامته من العيوب وكذلك امتلاك المُضحّي لها، وقد جاءت هذه الشروط مستندة إلى نصوص القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فضلًا عن اجتهادات المذاهب الفقهية المختلفة، وهذا ما سيوضحه القارئ نيوز في هذا المقال.
شروط الأضحية في نوع الحيوان
«الأضحية» يجب أن تكون من بهيمة الأنعام، أي من الإبل أو البقر أو الغنم، والغنم يشمل الضأن والمعز، وإذا ضحّى المسلم بغير هذه الأصناف فإن أضحيته لا تصح، فلا تجزئ الطيور أو الأرانب أو غيرها من الحيوانات، هذا ما أجمع عليه الفقهاء، فالشرع حدد نوع الأضحية تحديدًا واضحًا لا اجتهاد فيه، ومن هذا المنطلق يُشترط أن تكون الأضحية من الأصناف المباحة المذكورة في النصوص الشرعية، وقد بيّن الفقهاء أنّ الإبل تشمل الجِمال والجِمالة، والبقر يشمل الجواميس، والغنم يشمل الضأن والمعز، وأي خروج عن هذه الأصناف يُخرج الأضحية عن الحكم الشرعي.
السنّ الواجب في الأضحية لكل نوع
من شروط «الأضحية» أن تبلغ السنّ المحددة شرعًا، وهي كما يلي: الجذعة من الضأن وهي التي أتمّت ستة أشهر، والثنية من المعز وهي التي بلغت سنة كاملة، أما البقر فيجب أن يبلغ عامين كاملين ويدخل في السنة الثالثة، والإبل لا تُجزئ إلا إذا أتمّت خمس سنوات ودخلت في السادسة، وهذه السنون هي الحد الأدنى، وكلما زاد السن كانت الأضحية أفضل من حيث الحجم وجودة اللحم، وقد اختُلف بين المذاهب في تفسير هذه المدة بشكل طفيف، لكنهم اتفقوا على ضرورة الالتزام بالحد الشرعي الأدنى.
تفصيل السن عند المذاهب الأربعة
الحنفية قالوا إنّ الضأن يُجزئ إذا أكمل ستة أشهر ودخل في السابع، والماعز لا تجزئ حتى تكمل سنة، أما المالكية فقد اعتبروا الضأن لا يُجزئ إلا بعد عام كامل، والماعز لا تُجزئ إلا بعد مرور السنة الشمسية، والشافعية اشترطوا دخول الضأن والماعز في السنة الثانية، والحنابلة وافقوا الحنفية على أن الضأن يُجزئ إذا أتمّ ستة أشهر، بينما الماعز لا يُجزئ إلا بإتمام عام، وهذا الخلاف لا يعني التضارب بقدر ما يعكس الاجتهاد الفقهي الواسع حول تفاصيل سن الأضحية.
سلامة الأضحية من العيوب
«الأضحية» يجب أن تكون خالية من العيوب الظاهرة التي تقلل من لحمها أو تفسده، لأن الغاية من الأضحية هي التقرب إلى الله بأفضل ما يملكه الإنسان، والشرع لا يقبل إلا ما كان طيبًا، وقد ورد في الحديث الشريف قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والكسير التي لا تنقي»، فهذه العيوب تجعل الأضحية غير مجزئة، وتشمل: العور، الهزال الشديد، المرض الظاهر، الكسر أو العرج الواضح.
العيوب التي تمنع صحة الأضحية
العجفاء هي من الأنعام التي فقدت لحمها وضعف بدنها، فهذه لا تُجزئ لأنها لا تصلح للأكل ولا ترضي الله، والعوراء التي يظهر في عينها خلل أو تلف تُعد ناقصة، وبالتالي لا تصح، وكذلك المريضة التي يبدو مرضها للعين المجردة، والعرجاء التي تعجز عن المشي، وكل ما يُقلل من قيمة الحيوان أو جودة لحمه يدخل ضمن العيوب المانعة، لأن الأضحية ليست مجرد ذبح، بل هي قُربى لله ينبغي أن تكون بأطيب وأفضل ما في المال.
العيوب المختلف فيها بين الفقهاء
هناك عيوب لم يتفق الفقهاء على كونها مانعة للأضحية، مثل الهتماء وهي التي سقطت أسنانها، أو الجداء وهي التي لا تُنتج الحليب، أو العضباء التي فقدت قرنها، أو الجمّاء التي خُلقت بدون قرون، فبعضهم أجازها عند الضرورة وبعضهم منعها إلا مع غياب البديل، كما أنّ البتراء التي قُطع ذيلها، اختلف الفقهاء في حكمها، فمنهم من قال إنها لا تُجزئ، ومنهم من أجازها، أما الخصي والموجوء فيُجزئان بالإجماع لأن نقصهما يزيد في جودة اللحم، ومنهم من علّل ذلك بأن عدم وجود الخصيتين لا يؤثر سلبًا في مقصد الأضحية.
شروط الملكية والشخص المضحّي
من شروط «الأضحية» أن تكون ملكًا للمضحّي، فلا يجوز أن يُضحّى بحيوان مغصوب أو مسروق، كما لا يُجزئ التضحية بحيوان لم يُأذن لصاحبه في ذبحه، وقد أجاز الفقهاء للوصي أو الولي أن يُضحّي من مال اليتيم إذا كان ذلك من المعروف في المجتمع، ويصح أن يذبح الوكيل أضحية الموكّل إذا أذن له، أما من ضحّى بدون ملك أو إذن، فقد فعل معصية، والمعصية لا يُتقرب بها إلى الله.
عدد الأفراد في الأضحية بالشاة أو الماعز
«الأضحية» من الغنم أو الماعز لا تجزئ إلا عن شخص واحد، وقد اتفق الفقهاء على ذلك، وإن أجاز بعضهم أن يشاركه في الثواب أهل بيته، لكن المشاركة المالية لا تجوز، بينما البقر والإبل فيجوز أن يشترك فيها سبعة أشخاص، وقد بيّن الإمام مالك أن الشاة تُجزئ عن المضحّي وعن أهل بيته، بينما ذهب الشافعية إلى أنها لا تُجزئ إلا عن شخص واحد فقط، أما الحنفية فقالوا إنّها تُجزئ عن أهل البيت الواحد ولو كثر عددهم، ما داموا يعتمدون على نفقة شخص واحد.
«الأضحية» ليست مجرد عمل موسمي أو شعيرة عابرة، بل هي طاعة محكومة بشروط دقيقة ومفصلة، تتعلق بجنس الحيوان وسنّه وسلامته وملكيته، وكل هذه الشروط تهدف إلى تعظيم شعائر الله كما ورد في قوله تعالى ﴿ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب﴾، وعلى المسلم أن يتحرى فيها الحلال والطيب، ليُجزى عنها خير الجزاء يوم لا ينفع مال ولا بنون.