الخميس 29 مايو 2025 الموافق 02 ذو الحجة 1446
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة

رغم مرور أكثر من قرن.. «رأس نفرتيتي» مازالت تثير الجدل حول سرقتها

زاهي حواس
زاهي حواس

لا تزال قصة خروج رأس الملكة الفرعونية نفرتيتي من مصر إلى ألمانيا محلّ جدل واسع، بعد أكثر من مئة عام على اكتشافها، إذ تتوالى الروايات التي تؤكد أن القطعة الأثرية الأشهر في متحف برلين خرجت من البلاد بطريقة «غير شرعية»، فيما تصر السلطات الألمانية على رفض طلبات الإعادة، ولو على سبيل الإعارة المؤقتة، وهو ما يفتح الباب واسعًا حول قضية 2الآثار المسروقة» في زمن الاستعمار.

بداية الاكتشاف.. ونصف الغنيمة

بدأت الحكاية في تل العمارنة بمحافظة المنيا، حين كان لودفيج بورخارت (المعروف باسم «لودفج بورشارت») يشرف على عمليات تنقيب أثرية هناك. وبموجب القواعد المعمول بها حينها، كانت البعثات الأجنبية تحصل على نصف ما تكتشفه من آثار، في عملية تُعرف بـ«القسمة»، تتم تحت إشراف لجنة من المفتشين الأثريين.

وتشير الروايات إلى أن لجنة القسمة تأخرت في الوصول إلى الموقع، وتحديدًا كبير مفتشي آثار مصر الوسطى آنذاك «جوستاف لوفيفر»، وهو ما سمح لبورخارت بتهريب الرأس دون عرضها على اللجنة، وربما بمساعدة موظفين فرنسيين، كانوا يتولون الإدارة الفعلية لمصلحة الآثار المصرية في ذلك الوقت.

الرأس «خبئت 11 عامًا».. وظهرت في برلين

تؤكد بعض الوثائق أن رأس نفرتيتي تم تهريبها إلى ألمانيا داخل طرد بريدي، ولم تظهر للعلن إلا بعد أحد عشر عامًا، وتحديدًا في عام 1924. 

هذا التأخير في إعلان الاكتشاف، بحسب مؤرخين، كان دليلاً واضحًا على نية التستر، وخوفًا من ردّ الفعل المصري أو حتى الدولي.

ويُروى أن بورخارت خدع الجميع، وطمس ملامح الرأس بغطاء من الطين أثناء عملية القسمة، حتى لا يتعرف أحد على قيمتها الجمالية والأثرية الباهرة، وهو ما يُفسّر نجاحه في إخراجها دون اعتراض.

«هتلر» وقع في غرامها.. ورفض إعادتها

بحسب ما تداوله كتاب ومؤرخون، فإن الحكومة المصرية قد طلبت بالفعل من الزعيم النازي «أدولف هتلر» في إحدى المرات إعادة التمثال النصفي للملكة نفرتيتي. 

وتشير إحدى الروايات إلى أن هتلر أبدى موافقته المبدئية، لكنه ما إن شاهد الرأس حتى «وقع في غرامها» ورفض إعادتها، مؤكدًا أنها ستظل واحدة من مفاخر المتحف الألماني.

رفض ألماني رسمي.. واستعمار ثقافي باقٍ

ورغم محاولات مصرية متكررة، لم تستجب ألمانيا لأي طلبات لإعادة رأس الملكة، سواء بصورة نهائية أو حتى للإعارة المؤقتة لعرضها في المتحف المصري الكبير. 

وواجهت هذه المحاولات برفض قاطع من مسؤولين ألمان، مثل وزير الدولة للشئون الثقافية «برند نويمان»، ومدير متحف برلين «فريدريك ويدلونج»، الذي أبدى تشددًا وتعاليًا في رفضه، بحسب الكاتب الألماني «جيرت فون بازنسكي»، الذي وصف الأمر بأنه «امتداد للأعمال الاستعمارية».

ويؤكد بازنسكي أن متحف برلين لا يمتلك أي وثيقة قانونية تُثبت خروج الرأس بطريقة شرعية من مصر، وأن إخفاءها طوال أكثر من عقد يعكس نوايا واضحة بعدم الشفافية.

أول محاولة مصرية.. انتهت بطرد المسؤول

وكانت أول محاولة جادة لإعادة رأس الملكة قد قادها الدكتور محمد عبد القادر، رئيس هيئة الآثار المصرية في خمسينيات القرن الماضي. 

ووفقًا لما تم تداوله، فقد طلب عبد القادر من السفير الألماني بالقاهرة إعادة الرأس، وأبلغه بأنها خرجت من مصر بشكل غير قانوني، ملوّحًا بإمكانية وقف أعمال البعثات الألمانية في مصر.

لكن الرد لم يكن متوقعًا؛ فقد قدّم السفير شكوى لوزير الثقافة، معتبراً أن الموقف يحمل إهانة دبلوماسية، وهو ما ترتب عليه إقالة عبد القادر من منصبه في اليوم التالي.

إدارة «الآثار المستردة».. ومازال الملف مفتوحًا

وفي عام 2002، تم إنشاء إدارة الآثار المستردة في وزارة الآثار، وتمكنت مصر من استعادة أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية خلال العقدين الماضيين، لكن رأس نفرتيتي لا تزال على رأس القطع المطلوب استردادها.

ويؤكد مسؤولون حاليون أن مصر لن تتنازل عن حقها في المطالبة بالرأس، وأن هناك جهوداً قانونية ودبلوماسية تُبذل من أجل هذا الهدف، خاصة في ظل امتلاك القاهرة لأدلة قوية على أن خروج القطعة تم بطريقة غير قانونية.

«رأس نفرتيتي».. رمز جمال مسروق

ويبقى رأس الملكة نفرتيتي، المنحوت بدقة مذهلة في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، رمزًا لما تصفه مصر بـ«النهب الثقافي»، وصورة صارخة لممارسات الاستعمار في استغلال ثروات الشعوب. 

وبينما تصر ألمانيا على الاحتفاظ بها، لا تزال القاهرة تعتبرها «أيقونة مصرية مغتصبة».. والملف لا يزال مفتوحًا، بانتظار عدالة غابت طويلًا.

تم نسخ الرابط