جورج سيدهم.. الكوميديا التي قاومت الزمن والمرض

تحلّ اليوم الأربعاء، 28 مايو، الذكرى الـ87 لميلاد النجم الكبير جورج سيدهم، أحد أبرز رموز الكوميديا في مصر والعالم العربي، والذي ترك بصمة فنية لا تمحى في المسرح والسينما والتلفزيون، جعلته جزءًا لا يتجزأ من ذاكرة الضحك لدى أجيال كاملة.
«بداية مبكرة.. وموهبة نادرة»
وُلد جورج سيدهم في مثل هذا اليوم عام 1938، وظهرت موهبته التمثيلية مبكرًا خلال دراسته الثانوية، حيث أبدع في تقليد الشخصيات وتقمصها ببراعة لفتت أنظار زملائه ومدرسيه، حتى أصبح رئيس فرقة التمثيل بالمدرسة.
ومنذ ذلك الحين، كان واضحًا أن ضوء الفن سيبقى مشتعلاً في قلبه حتى النهاية.
«ثلاثي أضواء المسرح.. صناعة الضحك على أصوله»
انطلقت مسيرته الاحترافية من خلال البرنامج التلفزيوني «مع الناس»، عندما قدم فقرة «الشحاتين حول العالم» إلى جانب النجمين الضيف أحمد وسمير غانم، ليؤسسوا معًا فرقة «ثلاثي أضواء المسرح»، واحدة من أشهر الفرق الكوميدية في التاريخ الفني المصري، والتي قدّمت أعمالًا خفيفة الظل لا تزال تعيش في وجدان الجمهور، مثل «طبيخ الملايكة» و«الراجل اللي جوز مراته».
«المتزوجون».. كوميديا بحجم الأسطورة
بعد رحيل الضيف أحمد المفاجئ، واصل جورج سيدهم مشواره مع سمير غانم، وقدّما سويًا واحدة من أنجح المسرحيات الكوميدية على الإطلاق: «المتزوجون».
وقدّم سيدهم من خلالها شخصية الزوج الطيب البسيط في مواجهة الزوجة «الغنية المتسلطة»، وهو دور برع فيه بمزيج نادر من البراءة وخفة الظل، جعله أيقونة للكوميديا النظيفة.
«جلطة أنهت رحلة الإبداع.. ولكن لم تُطفئ الحب»
لكن القدر لم يُمهله كثيرًا، ففي أواخر التسعينيات أُصيب جورج بجلطة في المخ، أدت إلى شلل جزئي وفقدان للنطق، ما اضطره للابتعاد عن الأضواء والحياة الفنية، وسط حزن كبير من محبيه الذين اعتادوا على طلته المبهجة وابتسامته التي لا تُنسى.
«عودة خفيفة.. وحنين إلى الماضي»
ورغم ابتعاده القسري، عاد جورج سيدهم في عام 2014 بظهور مفاجئ في إعلان لإحدى شركات المشروبات الغازية، إلى جانب رفيق دربه سمير غانم والفنانة شيرين، مرتدين أزياء شخصياتهم من «المتزوجون».
لحظة خالدة أحيت الحنين لدى الجمهور، وأثبتت أن الفنان الحقيقي لا يغيب حتى وإن غاب صوته أو جسده.
«أفلام خالدة.. وقلب طفل»
خلال مشواره، شارك سيدهم في عدد كبير من الأفلام الناجحة، أبرزها:
«البحث عن فضيحة»
«عالم عيال عيال»
«الشقة من حق الزوجة»
«المعتوه»
«معبودة الجماهير»
«قاع المدينة»
«فرقة المرح»
«الشقيقان»
كان دومًا يؤدي أدواره بروح الطفل الطيب والساذج الذي يقع في مواقف كوميدية دون افتعال، مما جعله محبوبًا من الكبار والصغار.
«حكمة العرّاف.. ونبوءة المرض»
وفي لقاء نادر عبر برنامج «أهلًا وسهلًا» بالتلفزيون المصري، قال له أحد العرّافين: «كتمان الحزن والغضب داخلك قد يجلب لك مرضًا خطيرًا».
وبقدر ما بدت الجملة في حينها غريبة، تحققت لاحقًا حين أصيب جورج بالمرض الذي أوقف مسيرته الفنية فجأة، لكنه لم يُطفئ حبه للحياة ولا حب الناس له.
«رحل بجسده.. وبقي صوته في ضحكاتنا»
رحل جورج سيدهم في 27 مارس 2020، تاركًا وراءه إرثًا من الفن النظيف، والابتسامات التي لا تزال تُرسم على الوجوه كلما مرّ اسمه أو طيفه أمامنا.
هو ليس مجرد فنان.. بل هو رمزٌ للبساطة، للصدق، للضحك الذي يشبه دعاء طفل.
رحم الله جورج سيدهم، وخلّد ذكراه في قلوب عشاق الفن الحقيقي.
ورغم مرور السنوات، لا تزال أعمال جورج سيدهم تُعرض وتُتداول، وتُضحك الأجيال الجديدة كما أضحكت من سبقهم.
فنان بملامح طيبة وروح نقية، لم يعرف طريق الابتذال، بل اختار دائمًا تقديم الكوميديا الراقية.
تاريخه الفني يحوي مئات اللحظات التي صنعت مجد الكوميديا المصرية، وجعلت اسمه محفورًا في ذاكرة الفن العربي. في ذكرى ميلاده، يبقى جورج سيدهم حاضرًا بابتسامته الخالدة.