لماذا حث النبي على صيام يوم عرفة؟.. تعرف على الفضل العظيم

«عرفة تشرق من جديد» ويتهيأ لها المسلمون بصيامٍ يُعد من أعظم العبادات، فغدًا الخميس 5 يونيو، يوافق يوم عرفة، أحد أفضل أيام الله التي أكرم بها عباده، ويمثل هذا اليوم محطة إيمانية تُرجى فيها «مغفرة الذنوب» و«استجابة الدعاء» و«العتق من النيران»، ولذلك يتسابق الملايين حول العالم إلى اغتنام هذا اليوم المبارك بكل ما أوتوا من قوة وطاقة وعزم، خاصة عبر «صيام يوم عرفة» الذي يحمل من الفضل ما لا يمكن للعقول أن تحيط به.

عرفة ومكانته في قلوب المسلمين

عرفة هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، وهو اليوم الذي يقف فيه الحجاج على جبل الرحمة في مشهد مهيب يملؤه الخشوع والانكسار لله، أما من لم يُكتب له الحج هذا العام، فإن صيام يوم عرفة هو البديل الأمثل للتقرب إلى الله، لما فيه من ثواب مضاعف وفضل عظيم، فقد ورد في الحديث النبوي الشريف أن صيام هذا اليوم يكفر ذنوب سنتين كاملتين، وهو ما عبّر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده»، ما يدل على أن هذا اليوم «فرصة لا تتكرر» للمسلم الذي يطلب التوبة والعفو والمغفرة.

صيام عرفة.. لمن فاته صيام الأيام السابقة

لمن لم يوفق لصيام الأيام الثمانية الأولى من شهر ذي الحجة، فإن صيام يوم عرفة وحده يعد منجاة عظيمة وفرصة ذهبية، فالله سبحانه وتعالى خص هذا اليوم بـ«أجر كبير» و«فضل لا يُحصى» حتى لمن قصّر فيما قبله، ولذلك يُحث المسلم على أن لا يفوّت هذا اليوم، حتى ولو لم يصم غيره، لأن صيام عرفة وحده كافٍ لتغيير صحيفة أعماله للأفضل، ويُرجى أن يكون بداية جديدة في حياته مع الله.

عرفة في كتاب الله وسنة نبيه

عرفة لم يُذكر في القرآن باسمه صراحة، لكن فضله مذكور في مواضع عدة، فقد أقسم الله في سورة الفجر بقوله: «وليالٍ عشر»، وقد أجمع كثير من العلماء والمفسرين، وعلى رأسهم ابن عباس، أن هذه الليالي العشر هي عشر ذي الحجة، والتي يتوسطها يوم عرفة، كما ورد في سورة الحج قوله تعالى: «ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات»، وهي أيضًا الأيام التي تضم عرفة، ولذلك فإن منزلة هذا اليوم ثابتة بالوحي في القرآن والسنة، ولا يمكن التقليل منها، بل ينبغي رفعها والاحتفاء بها في القلوب والألسنة والأعمال.

دعاء عرفة.. مفتاح القبول وسبب للاستجابة

من أجمل ما يميز يوم عرفة أنه يوم «الدعاء المستجاب»، وهو اليوم الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة»، وهذا يعني أن لحظاته لا يجب أن تمر دون دعاء خاشع وقلب منكسر، فالدعاء فيه لا يُرد بإذن الله، ويُفضل أن يبدأ العبد دعاءه بالتوحيد كما فعل الأنبياء، فقد قال رسول الله: «خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير»، وهي كلمات يُرجى أن تُفتح بها أبواب السماء في هذا اليوم العظيم.

الأعمال الصالحة في عرفة.. طريق للفوز بالجنة

يوم عرفة ليس فقط لصيامه، بل هو يوم تتنوع فيه الطاعات، ويُفتح فيه باب العمل الصالح على مصراعيه، ومن أهم الأعمال التي يستحب الإكثار منها في هذا اليوم: التسبيح، التهليل، التكبير، التحليل، الاستغفار، والصلاة على النبي، وكذلك صلة الرحم، وبر الوالدين، والتصدق على الفقراء، وحفظ اللسان والجوارح من الذنوب، كما أن الحاج يلبّي، وغير الحاج يمكنه كذلك ترديد التلبية كثيرًا، فهي من الشعائر المعظمة لله، وكل هذه الأعمال ترتقي بالمسلم إلى منازل عليا عند ربه، وتجعله من أهل الفوز العظيم في الدنيا والآخرة.

عرفة للحاج.. صيامه مكروه عند بعض الفقهاء

رغم فضل صيام عرفة لغير الحجاج، إلا أن جمهور العلماء، وعلى رأسهم المالكية، يرون أن صيام هذا اليوم للحجاج «مكروه»، لأن فيه مشقة على من يؤدي الركن الأعظم من الحج، وهو الوقوف بعرفة، فقد يحتاج الحاج إلى القوة والنشاط حتى يؤدي نسكه على أكمل وجه، ولذلك لا يُستحب له الصيام، وإن كان له أجره بنيته وسعيه ووقوفه في هذا اليوم العظيم.

عدد ساعات الصيام في عرفة لهذا العام

بالنسبة للمسلمين غير الحجاج، فإن صيام يوم عرفة لهذا العام 1446هـ، سيبدأ في القاهرة بأذان الفجر عند الساعة 4:09 صباحًا، وينتهي بأذان المغرب عند الساعة 7:53 مساءً، أي أن عدد ساعات الصيام يقارب 16 ساعة، وهي ساعات مباركة يُستحب أن تُملأ بالذكر والدعاء والعبادة والتوبة، فلا ينبغي أن تمر كساعات الأيام العادية، بل هي ساعات يجب أن تُستثمر لحظة بلحظة.

لماذا لا يجب أن نفوّت عرفة؟

لأن يوم عرفة هو يوم «العتق الأكبر من النار»، وهو اليوم الذي قال عنه النبي: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة»، وهو تصريح نادر يعكس حجم العطاء الرباني في هذا اليوم، ولذلك فإن من أعظم ما يقوم به المسلم في يوم عرفة هو أن يسأل ربه أن يعتقه من النار، وأن يُعتق والديه وأهله وأحبابه، وأن يُبقي له من الخير ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

عرفة.. درب التوبة وتجديد العهد مع الله

يوم عرفة محطة حقيقية لمراجعة النفس، وتوبة خالصة، ومصالحة مع الله، فكل نفس مؤمنة تتمنى أن تُغفر لها ذنوبها الماضية، وتُقبل توبتها، وتُبدل سيئاتها حسنات، ويوم عرفة فرصة ثمينة لذلك، فلا تجعلوه يمر دون عزم على التغيير، وصدق في النية، وإقبال على الله بكل جوارحكم.

يبقى عرفة يومًا فاصلًا في حياة كل مسلم، يومٌ يتسع فيه الفضل، وتُمحى فيه الذنوب، وتُرفع فيه الدرجات، يومٌ يتنافس فيه الصالحون، ويتقرب فيه المحبون، ويُستجاب فيه الدعاء، ويُكتب فيه الفائزون.