البنك المركزي الأوروبي يخفض الفائدة لأول مرة منذ عامين وسط ضغوط اقتصادية

خفض البنك المركزي الأوروبي، اليوم الخميس، سعر الفائدة على تسهيلات الإيداع بمقدار 25 نقطة أساس، لينخفض إلى 2%، وذلك بعد أن بلغ ذروته عند 4% في منتصف عام 2023.
ويأتي هذا القرار في توقيت حرج، تتشابك فيه المعطيات الاقتصادية مع مشهد عالمي متقلب تزداد فيه التوترات الجيوسياسية، مما يضع صناع السياسات في أوروبا أمام تحديات غير مسبوقة، وسط ضبابية متزايدة تحيط بمستقبل النمو والتضخم في منطقة اليورو.
قرار متوقع ولكن يحمل دلالات
رغم أن القرار جاء متماشياً مع توقعات المستثمرين الذين رجّحوا بنسبة 99% حدوث خفض، وفقًا لبيانات مجموعة بورصة لندن «إل إس إي جي»، إلا أن توقيته يحمل دلالات مهمة حول توجه البنك المركزي الأوروبي نحو سياسة نقدية أكثر تيسيرًا، بعد فترة طويلة من التشديد للسيطرة على التضخم.
ويُعد هذا الخفض الأول من نوعه منذ أن بدأ المركزي الأوروبي سياسة رفع الفائدة في أعقاب أزمة الطاقة وارتفاع الأسعار عقب الحرب الروسية الأوكرانية.
مخاوف من تداعيات السياسات الحمائية الأمريكية
وإلى جانب العوامل الاقتصادية الداخلية، تتابع دوائر صنع القرار الأوروبية بقلق التطورات المرتبطة بسياسات الرسوم الجمركية التي يلوّح بها الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب، والتي تشمل قطاعات حيوية مثل الحديد والصلب وصناعة السيارات.
وتحذّر مصادر أوروبية من أن فرض مثل هذه الرسوم قد يشكل ضربة قوية للصناعات التصديرية الأوروبية، خاصة الألمانية، التي تعتمد على أسواق الولايات المتحدة في تصريف جزء مهم من إنتاجها.
وتزيد هذه الرسوم من تعقيد المشهد أمام صناع السياسة النقدية، إذ من المحتمل أن تؤثر في سلاسل الإمداد والأسعار النهائية، ما يجعل من الصعب التنبؤ بتأثيرها على معدل التضخم.
التضخم تحت السيطرة ولكن النمو ضعيف
أظهرت البيانات الأولية التي صدرت هذا الأسبوع أن معدل التضخم في منطقة اليورو انخفض إلى 1.9%، أي دون المستوى المستهدف من قبل البنك المركزي الأوروبي والبالغ 2%، وهو ما وفّر مساحة من المناورة أمام صانعي القرار لاتخاذ قرار خفض الفائدة.
ومع ذلك، لا تعني السيطرة على التضخم أن الاقتصاد يسير في الاتجاه الصحيح، حيث كشفت تقديرات النمو أن اقتصاد منطقة اليورو حقق نمواً لا يتجاوز 0.3% في الربع الأول من عام 2025، وهو معدل لا يُعد مطمئنًا، ويعكس استمرار حالة الركود النسبي.
إنفاق دفاعي يثير تساؤلات
وفي سياق متصل، يشير المراقبون إلى أن التوجه الأوروبي المتزايد نحو الإنفاق الدفاعي كرد فعل على التهديدات الأمنية، قد يحد من قدرة الدول الأوروبية على الاستثمار في قطاعات النمو، ما يُشكل عامل ضغط إضافي على الميزانيات الوطنية.
ورغم إدراك القادة الأوروبيين لأهمية تعزيز الجاهزية الدفاعية، إلا أن تخصيص موارد إضافية لهذا الغرض يأتي في وقت تُعاني فيه الميزانيات من الضغوط الناجمة عن تكلفة خدمة الدين، وتحديات تمويل برامج التحول الأخضر والرقمي.
الطريق إلى الأمام لا يزال غامضاً
وفي ظل هذه المعطيات، يترقب المستثمرون بحذر الإشارات القادمة من البنك المركزي الأوروبي حول التوجه المستقبلي للسياسة النقدية.
ويخشى البعض من أن يكون خفض الفائدة الحالي مجرد خطوة رمزية، إذا لم تتبعها سياسات دعم حقيقية لتحفيز الاقتصاد ودفع عجلة النمو.
ويُشار إلى أن قرارات السياسة النقدية أصبحت أكثر تعقيداً في الأشهر الأخيرة بسبب التداخل بين الأبعاد الاقتصادية والأمنية والسياسية، مما يجعل من الصعب رسم مسار واضح للفترة المقبلة.
يعكس خفض الفائدة الذي أعلنه البنك المركزي الأوروبي اليوم رغبة واضحة في دعم الاقتصاد، وسط بيئة تتسم ببطء النمو واحتواء التضخم، إلا أن فعالية هذه الخطوة تبقى مرهونة بالتطورات السياسية والاقتصادية على المستويين العالمي والإقليمي.
وبينما يُراهن البعض على مزيد من التيسير النقدي، فإن آخرين يعتقدون أن التحديات المقبلة تتطلب أكثر من مجرد أدوات نقدية؛ بل سياسات اقتصادية منسقة وشجاعة لمواجهة المتغيرات المتسارعة.