كيف تؤدى «صلاة الخسوف» على هدي الرسول والدعاء المستحب في وقتها

«صلاة الخسوف» من السنن المؤكدة التي حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي عبادة عظيمة تظهر فيها معاني الخشوع والتضرع لله تعالى عند وقوع ظاهرة خسوف القمر، وقد وردت كيفية هذه الصلاة مفصلة في الأحاديث الصحيحة، حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخسوف حين خُسف القمر، فكانت ركعتين في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وسجدتان، وهذا ما يميزها عن الصلوات المفروضة المعتادة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في القيام الأول بسورة طويلة مثل البقرة أو قدرها في الطول، ثم يركع ركوعا طويلا يسبح فيه قدر مائة آية، ثم يرفع رأسه ويقرأ الفاتحة وسورة أقصر مثل آل عمران أو نحوها، ثم يركع ركوعا طويلا لكنه أقل من الركوع الأول، وبعد ذلك يرفع ويسجد سجدتين طويلتين دون إطالة الجلسة بينهما، ثم يقوم إلى الركعة الثانية فيفعل مثلما فعل في الأولى لكن بطول أقل في جميع الركوع والقراءة والسجود، ثم يتشهد ويسلم، وهذه الكيفية هي التي علمها النبي لأصحابه، وأمرهم أن يلجؤوا إليها عند حدوث الخسوف.

صلاة الخسوف وقراءتها جهرًا أو سرًا

بيّن العلماء أن صلاة الخسوف تختلف بحسب وقتها، فإذا كان الخسوف قمريا فإنها صلاة ليلية، ومن ثم تُقرأ فيها السور جهرًا كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما إذا كان الكسوف للشمس فتصلى نهارا، وتكون القراءة فيها سرية، وذلك حتى يميز المسلم بين الحالتين، فصلاة الخسوف عبادة مرتبطة بآية كونية عظيمة وهي ذهاب ضوء القمر أو بعضه ليلا، بينما صلاة الكسوف متعلقة بذهاب ضوء الشمس أو بعضه نهارا، وكلاهما شرع ليذكر العبد بقدرة الله وعظمته، وليكون ذلك سببا في رجوعه إليه بالتوبة والذكر والدعاء.

صلاة الخسوف في مصر والعالم

أعلن مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أن مصر ستشهد خسوفا للقمر مساء الأحد، حيث تبدأ مراحله من الساعة السابعة وسبع وعشرين دقيقة مساءً وتستمر حتى العاشرة وست وخمسين دقيقة، بينما يكون الخسوف الكلي من التاسعة واثنتي عشرة دقيقة حتى التاسعة وثلاث وخمسين دقيقة، وهو وقت طويل يتيح للمسلمين إقامة صلاة الخسوف والتضرع إلى الله، وهذه الظاهرة لن تقتصر على مصر وحدها بل ستراها عدة دول حول العالم، وهذا يوضح أن صلاة الخسوف شعيرة عامة للأمة كلها عند وقوع هذه الآية.

حكم صلاة الخسوف

أكد مركز الأزهر أن صلاة الخسوف سنة مؤكدة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن الشمس انكسفت يوم مات إبراهيم ابن النبي، فقال الناس انكسفت لموته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي» وهذا دليل صريح على أن صلاة الخسوف مشروعة عند حدوث الخسوف، وأن الغاية منها تذكير الناس بآيات الله لا ربطها بموت عظيم أو ولادة أحد.

كيفية صلاة الخسوف جماعة أو فرادى

تصلى صلاة الخسوف ركعتين، وفي كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وسجدتان، ويستحب أن تؤدى جماعة في المساجد، فإذا اجتمع الناس لها ينادى المنادي قائلا «الصلاة جامعة» دون أذان ولا إقامة، لأنها ليست من الصلوات الخمس المفروضة، وبعد الصلاة يخطب الإمام خطبة يذكر الناس فيها بقدرة الله وعظمته، ويدعوهم إلى الاستغفار والتوبة، ويبين أن الخسوف والكسوف آيتان من آيات الله ينبغي أن يكونا سببا للخشوع لا للتكهنات الباطلة أو الاعتقادات الفاسدة.

وقت صلاة الخسوف

اتفق الفقهاء على أن وقت صلاة الخسوف يبدأ من بداية ظهور الخسوف وحتى انتهائه، فإذا انجلى القمر وذهب سببه انتهى وقت الصلاة، ولا تقضى بعد انقضاء الظاهرة لأنها صلاة مرتبطة بسبب محدد، وهذا ما أوضحه مركز الأزهر العالمي للفتوى، مستندا إلى ما ورد في الأحاديث الصحيحة عن السيدة عائشة وعن غيرها من الصحابة.

سنن صلاة الخسوف وما يصاحبها

لم يقتصر هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الخسوف على الصلاة فقط، بل حث على «الدعاء» و«الاستغفار» و«الصدقة» و«ذكر الله» و«التعوذ من عذاب القبر»، فقد روي عن النبي أنه قال عند حدوث الكسوف أو الخسوف «فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة والذكر والدعاء والصدقة» وهذه الأفعال جميعها تعكس أن صلاة الخسوف هي عبادة جامعة، يتقرب فيها العبد إلى الله بكل صور العبادة، فتكون لحظة الخسوف وقتا للتوبة والتقرب، لا وقتا للخوف والقلق بلا معنى.

صلاة الخسوف في ضوء السنة والعلم

أوضح العلماء أن ربط صلاة الخسوف بالظاهرة الكونية لا يتعارض مع ما يثبته العلم الحديث من تفسير علمي لهذه الظاهرة، فالشرع بيّن أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، والعلم يوضح كيفية حدوثها بدقة، وكلا الأمرين يؤدي إلى تعظيم الله وشكره، فحين يرى المسلم هذا الإبداع الكوني يتذكر قدرة الله وعظمته، ويزداد إيمانا ويقينا، فيلجأ إلى الصلاة والدعاء، وهذه هي الغاية العظمى من صلاة الخسوف.

صلاة الخسوف من السنن المهجورة التي ينبغي إحياؤها في واقعنا، فهي فرصة لتجديد الصلة بالله عند مشاهدة آية من آياته، وهي تذكرنا بيوم القيامة حين تتغير ملامح الكون، لذلك على المسلمين أن يحرصوا على أدائها بالطريقة الصحيحة كما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يكثروا فيها من الدعاء والذكر والصدقة، فهي صلاة جامعة بين الخشوع والرجوع إلى الله.