الإفتاء توضح حساب «عدة المطلقة» عند انقطاع الحيض

عدة المطلقة في حالة انقطاع الحيض بسبب استئصال الرحم من المسائل الشرعية التي تشغل بال العديد من النساء، وقد حسمت دار الإفتاء المصرية هذا الجدل بفتوى واضحة أوضحت فيها الحكم التفصيلي لـ «عدة المطلقة» التي فقدت رحمها، مؤكدة أن هذا الحكم يقوم على نصوص قرآنية وأصول فقهية ثابتة، وأن «عدة المطلقة» فريضة شرعية لها مقاصد إنسانية وعبادية عميقة، وليست مجرد فترة انتظار كما يظن البعض، بل هي عبادة تعبدية مرتبطة بأحكام الله تعالى التي تحفظ الكرامة وتصون الأنساب وتحقق التوازن بعد الطلاق.
حكم «عدة المطلقة» بعد استئصال الرحم
أوضحت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمي أن المرأة التي خضعت لعملية استئصال الرحم تُعد في حكم «الآيسة من المحيض»، أي التي انقطع عنها الحيض انقطاعًا نهائيًا لا رجعة فيه، وبناء على ذلك فإن «عدة المطلقة» في هذه الحالة تكون ثلاثة أشهر قمرية كاملة، مستندة في ذلك إلى قول الله تعالى في سورة الطلاق ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾، وهو نص صريح يحدد أن من انقطع عنها الحيض لأي سبب دائم، تكون عدتها ثلاثة أشهر لا غير.
وأشارت الدار إلى أن «عدة المطلقة» في هذه الحالة لا تتأثر بكون المرأة فقدت الرحم، لأن مقاصد العدة ليست بيولوجية فقط، بل تشمل مقاصد شرعية وروحية تتعلق بإكرام العلاقة السابقة، ومنح فرصة للتأمل والمراجعة، وصيانة الحقوق الشرعية للمرأة.
الفارق بين انقطاع الحيض واستئصال الرحم
فرّقت دار الإفتاء بين انقطاع الحيض الطبيعي أو المؤقت، وبين استئصال الرحم الكامل، موضحة أن الحالة الأولى قد تكون مؤقتة وتزول بزوال المرض أو الاضطراب الهرموني، أما الثانية فهي دائمة ولا يمكن أن تعود معها الدورة الشهرية، ومن ثمّ فإن «عدة المطلقة» التي خضعت لاستئصال الرحم تُعامل معاملة الآيسة، أي التي بلغت سن اليأس ولم تعد تحيض، وعدتها كما ورد في القرآن الكريم ثلاثة أشهر.
وأكدت أن هذا الحكم الشرعي يهدف إلى التيسير مع الحفاظ على هيبة الأحكام، إذ لا يمكن إسقاط «عدة المطلقة» بحجة زوال الحيض أو عدم وجود رحم، لأن جوهر العدة هو التزام أمر الله في الانتقال من حالة الزواج إلى حالة الانفصال وفق الضوابط الشرعية.
العدة عبادة وليست مجرد إجراء
وشدّدت دار الإفتاء على أن «عدة المطلقة» ليست مجرد انتظار أو إجراء إداري كما يظن البعض، بل هي عبادة قائمة بذاتها تعبّر عن طاعة الله تعالى حتى بعد انتهاء العلاقة الزوجية، فهي «رمز للوفاء والانضباط» واحترام لميثاق الزواج الذي كان بين الرجل والمرأة، كما أنها تتيح وقتًا مناسبًا للتفكر والمراجعة خصوصًا في حالات الطلاق الرجعي التي يمكن خلالها للزوجين إعادة التفكير بهدوء.
وقالت الدار إن العدة تبقى واجبة في كل الأحوال ما دامت هناك علاقة زواج سابقة صحيحة، فحتى لو فقدت المرأة رحمها تظل العدة قائمة، لأن معناها التعبدي لا يسقط بزوال السبب الجسدي، بل يستمر باعتباره من شعائر الله التي أمر باحترامها.
الإجماع الفقهي حول استئصال الرحم وعدة المطلقة
بيّنت دار الإفتاء أن الفقهاء من مختلف المذاهب قد أجمعوا على أن استئصال الرحم لا يُسقط العدة مطلقًا، لأن العدة في جوهرها ليست فقط لاستبراء الرحم، بل لحكم أخرى منها حفظ النسب واحترام العلاقة السابقة، ومنح المرأة الفرصة للتأقلم بعد الطلاق، كما أن الفتوى الشرعية تشمل كل صور الاستئصال سواء كان كليًا أو جزئيًا، وسواء تم قبل الطلاق بفترة أو بعده مباشرة، طالما أن النتيجة النهائية هي انقطاع الحيض نهائيًا.
وأكدت الدار أن هذا الإجماع دليل على أن الشريعة الإسلامية راعت جميع الحالات الصحية والاجتماعية للمرأة، ولم تترك أي وضع دون بيان حكمه، فكل حالة لها ضوابطها التي تضمن تحقيق العدالة والرحمة.
ضرورة الرجوع إلى أهل العلم
ودعت دار الإفتاء جميع النساء إلى عدم الاعتماد على المعلومات المتداولة عبر الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي عند البحث في مسائل دقيقة مثل «عدة المطلقة»، لأن هذه القضايا تحتاج إلى علم شرعي وفقه دقيق، فالفتوى لا تُبنى على الظن أو الاجتهاد الشخصي، بل على الأدلة الشرعية وأقوال العلماء الثقات، موضحة أن اللجوء إلى أهل العلم هو الطريق الصحيح للفهم السليم لأحكام الدين.
كما أكدت أن «عدة المطلقة» من الأحكام التعبدية التي لا يجوز التلاعب بها أو تأويلها بغير ما ورد في النصوص، لأنها تعبّر عن التزام المرأة بما أمر الله به حتى في أدق التفاصيل.
الشريعة تراعي الحالات الطبية والإنسانية
وفي ختام فتواها، شددت دار الإفتاء على أن الشريعة الإسلامية راعت كل الظروف التي قد تمر بها المرأة، بما في ذلك الظروف الصحية المعقدة مثل استئصال الرحم أو الأمراض المزمنة، فالإسلام دين رحمة وعدل، وأحكامه تهدف إلى تحقيق التوازن بين متطلبات الحياة والعبادة، مؤكدة أن «عدة المطلقة» بعد استئصال الرحم هي عبادة تعبّر عن الخضوع لأوامر الله تعالى في كل الأحوال.
فتوى دار الإفتاء المصرية جاءت لتزيل اللبس وتوضح أن «عدة المطلقة» التي خضعت لاستئصال الرحم لا تسقط، بل تبقى واجبة لمدة ثلاثة أشهر قمرية، لأن العدة ليست مجرد انتظار بل عبادة تعبّدية، وبهذا تكون الشريعة قد وضعت ضوابط تراعي الطب والدين معًا، لتؤكد مرة أخرى أن الإسلام دين شامل لا يهمل أي حالة إنسانية.