حكم قول أنتي طالق مزاحا للزوجة.. الإفتاء ترد

الإفتاء تؤكد أن المزاح في مسائل الطلاق لا يجوز شرعًا، وأن استخدام الألفاظ التي يترتب عليها آثار شرعية خطيرة مثل كلمة الطلاق لا ينبغي أن تكون موضع «هزار» أو «تسلية»، فقد أجاب الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، على سؤال ورد من أحد المواطنين من محافظة الغربية يُدعى عبد الستار، قال فيه إنه على خلاف مع زوجته، وأحيانًا في لحظات المزاح أو الغضب يقول لها «أنا هطلقك» من غير نية الطلاق الحقيقية، ويتساءل هل هذا المزاح يعتبر طلاقًا شرعًا، وهل ورد في القرآن أو السنة ما يحرم مثل هذا المزاح.
الهزار في الطلاق لا يجوز شرعًا
أوضح أمين الفتوى في دار الإفتاء أن هذا السلوك لا يجوز شرعًا بأي حال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزاح في الأمور التي تترتب عليها أحكام شرعية مثل الزواج والطلاق والرجعة، وأكد الدكتور شلبي أن الشرع الإسلامي يعتبر هذه الألفاظ خطيرة للغاية لأنها تمس استقرار الأسرة والعلاقة بين الزوجين، ولهذا جاء في الحديث الشريف قوله ﷺ «ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة» أي أن المزاح في هذه الأمور له حكم الجد تمامًا ولا يقبل فيه الهزل أو التلاعب بالألفاظ.
وأشار الدكتور شلبي إلى أن الإفتاء تتلقى كثيرًا من الأسئلة المشابهة، حيث يظن البعض أن كلمة الطلاق إذا خرجت على سبيل المزاح لا تُحسب، وهذا اعتقاد خاطئ، لأن الألفاظ الشرعية تُؤخذ بظاهرها، فإذا تلفظ الرجل بلفظ صريح مثل «أنتِ طالق» فهي تقع طالما خرجت من فمه بوعي، سواء كان جادًا أو مازحًا، لأن الشرع لا يعتد بالنوايا الباطنة في مثل هذه الأمور التي تتعلق بالحقوق والعقود، فالزواج والطلاق عبادتان تقومان على الضبط والانضباط وليس على المزاح والاستهتار.
أثر المزاح على العلاقة الزوجية
وبيّن أمين الفتوى أن استخدام ألفاظ الطلاق في المزاح أو الغضب يترك أثرًا نفسيًا مؤلمًا على الزوجة، ويُحدث شرخًا في العلاقة الزوجية، لأن الزوجة تشعر بعدم الأمان وتهتز ثقتها بزوجها، كما أن تكرار مثل هذه العبارات يفتح باب الشيطان للتفريق بين الزوجين، وأوضح أن الإسلام جعل الزواج ميثاقًا غليظًا يقوم على المودة والرحمة، وليس ساحة للتهديد أو التجربة أو المزاح المؤذي، فقول الزوج لزوجته «أنتِ طالق» ولو من باب المزاح يُعتبر من الأمور المحرمة شرعًا لما فيه من استهتار بالعلاقة المقدسة التي ربط الله بها بين الزوجين.
رأي الإفتاء في نية الطلاق
وفي توضيحه لحالة السائل، قال الدكتور شلبي إن ما دام الرجل لم يتلفظ بلفظ الطلاق الصريح وإنما قال في نفسه أو قال عبارة «هطلقك» بصيغة المستقبل دون نية تنفيذها الفعلية، فهذا لا يقع به طلاق شرعًا، لأن الطلاق لا يقع بالنية وإنما باللفظ الصريح أو بالكناية مع نية الطلاق، ومع ذلك شدد على أن هذا التصرف مرفوض وغير محمود، لأنه يُعد نوعًا من الإيذاء اللفظي للزوجة، وينبغي للرجل أن يبتعد عن هذه الألفاظ التي تجرح المشاعر وتكسر القلوب، لأن «الكلمة الطيبة صدقة»، كما قال النبي ﷺ.
وأضاف أن الإفتاء دائمًا ما تُحذر الأزواج من التساهل في الألفاظ الشرعية التي تمس الأسرة، فالحياة الزوجية قائمة على الحوار والرحمة وليس على التهديد والوعيد، وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وقولوا للناس حسنا﴾، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «خيركم خيركم لأهله»، فالخير كل الخير في الرفق واللين وليس في القسوة أو التهديد، مؤكّدًا أن الرجل القوي هو من يملك نفسه عند الغضب ويضبط لسانه عند الانفعال.
الطلاق مسؤولية لا مجال فيها للهزل
وأشار الدكتور شلبي إلى أن الإفتاء ترى أن كلمة الطلاق من أخطر الكلمات التي يمكن أن تخرج من لسان الرجل، لأن أثرها لا يقف عند حدود المزاح بل قد يُحدث واقعًا شرعيًا لا يمكن الرجوع عنه بسهولة، ولهذا يجب أن يكون الإنسان واعيًا لما يقول، فكم من أسر تهدمت بسبب كلمة خرجت في لحظة غضب أو مزاح، وكم من أطفال شُردوا لأن أحد الوالدين لم يُدرك خطورة لسانه، ولذلك قال الفقهاء إن «الطلاق جدّه جد وهزله جد» لأن المقصود هو حماية الأسرة من التلاعب والتسرع.
نصيحة الإفتاء للأزواج
وختم أمين الفتوى نصيحته بقوله إن على الأزواج أن يتقوا الله في زوجاتهم، وأن يعلموا أن الزواج نعمة من نعم الله تستوجب الشكر بالحفاظ عليها، وليس العبث بها بالألفاظ أو المزاح المؤذي، فالحياة الزوجية لا تستقيم إلا بالمودة والتفاهم، وعلى الرجل أن يستخدم الكلام الطيب بدلًا من الكلمات الجارحة، لأن الكلمة قد تهدم بيتًا كما يمكن أن تبنيه، ودعا الدكتور شلبي الأزواج إلى أن يتحلوا بالحكمة، وأن يتذكروا دائمًا أن الإفتاء تُكرر نصيحتها بأن الطلاق لا ينبغي أن يُستخدم إلا بعد استنفاد كل وسائل الإصلاح والمصالحة.
وفي النهاية شددت دار الإفتاء المصرية على أن «الهزار في الطلاق حرام شرعًا»، وأنه لا يجوز التلفظ بهذه الكلمة إلا في حال الضرورة القصوى وبعد الرجوع لأهل العلم واستشارة المختصين في دار الإفتاء، لأن الهدف من الزواج هو «السكينة والمودة»، وليس فتح باب الطلاق في لحظات الغضب أو المزاح.