نقص «فيتامين ب12» يسبب أعراضا تشبه الاكتئاب

يُعد «فيتامين ب12» من العناصر الحيوية التي لا يمكن للجسم الاستغناء عنها، فهو المسؤول عن دعم وظائف الأعصاب وتكوين خلايا الدم الحمراء والحفاظ على صحة الدماغ، إلا أن نقص «فيتامين ب12» قد يؤدي إلى ظهور أعراض غريبة قد يظنها البعض علامات على «الاكتئاب» أو اضطرابات نفسية، في حين أن السبب الحقيقي هو نقص هذا العنصر الحيوي في الجسم.
أهمية فيتامين ب12 لصحة الجسم
إن «فيتامين ب12» واحد من أهم الفيتامينات الذائبة في الماء، ويُعرف بدوره الأساسي في تكوين الحمض النووي وإنتاج الطاقة داخل الخلايا، كما يساهم في الحفاظ على وظائف الجهاز العصبي بشكل سليم، ويمنع تلف الأعصاب الذي قد يؤدي إلى أعراض عصبية خطيرة، ويحتاج الجسم إلى كميات كافية من «فيتامين ب12» للحفاظ على النشاط الذهني والبدني، لذلك فإن أي نقص فيه ينعكس بشكل مباشر على الصحة العامة للفرد.
ويُخزن «فيتامين ب12» بشكل رئيسي في الكبد، مما يعني أن النقص لا يحدث فجأة بل يتطور ببطء على مدى سنوات، وهذا ما يجعل اكتشافه في المراحل المبكرة أمرًا صعبًا، وغالبًا ما تُفسر الأعراض الأولى مثل التعب المستمر أو فقدان التركيز على أنها ناتجة عن الإجهاد أو الاكتئاب، بينما تكون في الحقيقة نتيجة مباشرة لانخفاض مستويات «فيتامين ب12».
أعراض نقص فيتامين ب12 المشابهة للاكتئاب
من أبرز الأعراض التي يسببها نقص «فيتامين ب12» هي التعب المزمن، فقدان الطاقة، والاضطرابات المزاجية، حيث يعاني بعض الأشخاص من نوبات حزن غير مبررة أو تراجع في الدافع نحو الأنشطة اليومية، وهي أعراض تتطابق مع «الاكتئاب» في كثير من الحالات، كما قد تظهر مشكلات في التركيز والذاكرة، مما يزيد من التشخيص الخاطئ للحالة النفسية.
وتشير الدراسات إلى أن نقص «فيتامين ب12» يؤثر على إنتاج الناقلات العصبية مثل «السيروتونين» و«الدوبامين»، وهما المسؤولان عن الشعور بالسعادة والتوازن العاطفي، وعندما ينخفض مستواهما في الدماغ يشعر الإنسان بالحزن والقلق وقلة الحافز، وهي علامات يظن الكثيرون أنها اكتئاب نفسي، في حين أن العلاج يكمن في تصحيح نقص «فيتامين ب12» وليس في تناول الأدوية النفسية.
الأسباب الخفية لنقص فيتامين ب12
يرتبط نقص «فيتامين ب12» بعدة أسباب، منها العادات الغذائية الخاطئة أو اتباع أنظمة نباتية صارمة لا تحتوي على منتجات حيوانية، لأن المصادر الأساسية لهذا الفيتامين موجودة في اللحوم الحمراء والدواجن والأسماك والبيض ومنتجات الألبان، كما أن التقدم في العمر يقلل من قدرة الجسم على امتصاص «فيتامين ب12» من الطعام بسبب نقص حمض المعدة اللازم لتحريره من البروتينات.
وهناك أسباب مرضية أخرى مثل التهاب المعدة المزمن أو وجود اضطرابات في الأمعاء الدقيقة كمرض السيلياك أو داء كرون، وهي حالات تؤثر على امتصاص الفيتامين، كما يمكن أن يؤدي الإفراط في تناول بعض الأدوية مثل أدوية الحموضة ومضادات السكري إلى خفض امتصاص «فيتامين ب12»، مما يضاعف خطر الإصابة بالنقص دون إدراك.
العلامات الجسدية لنقص فيتامين ب12
بالإضافة إلى الأعراض النفسية المشابهة للاكتئاب، هناك علامات جسدية تدل على نقص «فيتامين ب12» مثل شحوب الجلد، وخدر الأطراف، وصعوبة في المشي أو التوازن، كما قد تظهر التهابات في اللسان والفم، ويشعر المصاب بخفقان القلب أو ضيق في التنفس، وهي أعراض قد تزداد سوءًا إذا لم يتم علاج السبب الأساسي، لأن «فيتامين ب12» ضروري لتكوين خلايا الدم الحمراء التي تحمل الأكسجين لجميع أنسجة الجسم.
ويؤكد الأطباء أن اكتشاف هذه العلامات مبكرًا يمكن أن يمنع المضاعفات الخطيرة مثل تلف الأعصاب الدائم، لذلك يجب عدم تجاهل الأعراض غير المبررة خاصة لدى كبار السن أو من يتبعون نظامًا غذائيًا فقيرًا بالبروتين الحيواني.
طرق التشخيص والعلاج
يتم تشخيص نقص «فيتامين ب12» من خلال فحص دم بسيط يقيس مستوى الفيتامين في الجسم، وإذا تبين وجود نقص يتم تحديد السبب قبل وصف العلاج المناسب، وغالبًا ما يبدأ العلاج بحقن «فيتامين ب12» أو مكملات فموية بجرعات محددة يوصي بها الطبيب، مع ضرورة تعديل النظام الغذائي ليشمل مصادر طبيعية غنية بهذا العنصر الحيوي.
ويُنصح الأشخاص الذين يعانون من أعراض اكتئابية مزمنة أو ضعف في التركيز بإجراء فحص مستوى «فيتامين ب12» كجزء من التقييم الشامل، لأن تصحيح النقص قد يؤدي إلى تحسن ملحوظ في الحالة المزاجية والطاقة الذهنية، مما يؤكد العلاقة القوية بين صحة الأعصاب ومستويات هذا الفيتامين.
الوقاية وأسلوب الحياة الصحي
للوقاية من نقص «فيتامين ب12» يجب الحرص على تناول نظام غذائي متوازن يحتوي على مصادر طبيعية مثل الكبدة، البيض، منتجات الألبان، الأسماك، واللحوم، كما يُنصح النباتيون بتناول مكملات غذائية أو أطعمة مدعمة بـ«فيتامين ب12» لتجنب حدوث أي نقص مستقبلي، ويُفضل مراجعة الطبيب لإجراء فحوص دورية خصوصًا إذا كان الشخص يستخدم أدوية تؤثر على امتصاص الفيتامين.
الوعي بأهمية «فيتامين ب12» لا يقتصر على الحفاظ على النشاط الجسدي فقط، بل يمتد إلى حماية الصحة النفسية أيضًا، فالكثير من الحالات التي تُشخّص خطأً بأنها اكتئاب قد يكون أصلها نقص هذا الفيتامين الحيوي، لذلك فإن الكشف المبكر والعناية بالتغذية يمثلان خط الدفاع الأول ضد اضطرابات المزاج الناتجة عن نقص «فيتامين ب12».
يبقى «فيتامين ب12» عنصرًا أساسيًا في الحفاظ على التوازن بين الصحة الجسدية والنفسية، ونقصه يمكن أن يظهر في صورة «أعراض اكتئابية» غامضة يصعب تمييزها في البداية، لذا فإن الاهتمام بالتغذية السليمة والمتابعة الطبية المنتظمة هو الطريق الأفضل لحماية الجسم والعقل معًا من آثار نقص هذا الفيتامين.