حكم إجبار الفتاة على الزواج.. الإفتاء توضح حقها الكامل

الزواج هو رباط مقدس شرعه الله ليكون سكنًا ومودة ورحمة بين الرجل والمرأة، وقد أكدت دار الإفتاء المصرية من خلال فتوى حديثة على أن «الزواج» لا يجوز فيه الإكراه أو الإجبار، بل يجب أن يكون قائمًا على الرضا والموافقة بين الطرفين، موضحة أن إجبار الفتاة على الزواج من شخص لا تريده يُعد تعديًا على حقها الذي كفله الشرع، وأنها وحدها صاحبة القرار في قبول من يتقدم لخطبتها، وأن رأي الأهل أو الأخ يجب أن يكون في إطار النصح لا الفرض.
فتوى الإفتاء حول إجبار الفتاة على الزواج
كشف الدكتور علي فخر أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية عن فتوى مهمة ردًا على سؤال ورد إليه من فتاة قالت إن أخاها غضب منها لأنها رفضت الزواج من شخص تقدّم لها منذ سبعة أشهر، متسائلة «هل عليّ وزر؟»، فأجاب أمين الفتوى بأن «الزواج» يجب أن يكون برضا الفتاة الكامل، ولا إثم عليها في رفضها لعريس لا تراه مناسبًا، لأن الدين الإسلامي منح المرأة حق القبول أو الرفض في «الزواج»، سواء كانت بكرًا أو ثيّبًا، وأوضح أن الشرع جعل الإكراه في «الزواج» سببًا للمشكلات الزوجية الكثيرة التي قد تصل إلى الانفصال أو الطلاق، وهو ما نهى عنه الدين.
وأضاف أمين الفتوى أن دور الأهل والأخوة في موضوع «الزواج» ينبغي أن يكون نابعًا من الحرص والمشورة، وليس من باب السيطرة أو الإكراه، لأن القرار في النهاية يعود إلى الفتاة نفسها، فهي صاحبة الحق الأصيل في اختيار شريك حياتها، مؤكدًا أن الشرع الشريف لا يجيز إجبار البنت على الزواج ممن لا تريد، لأن «الزواج» في الإسلام مبني على المودة والرحمة، وهما لا يتحققان بالإجبار.
أهمية الرضا في عقد الزواج
أكد الدكتور علي فخر أن من أهم شروط «الزواج» الصحيح هو توافر الرضا الكامل من الطرفين، وأن الشرع جعل رضا الفتاة أساسًا في العقد، فإذا زُوّجت بغير رضاها كان العقد باطلًا أو موقوفًا على إجازتها، مشيرًا إلى أن الزواج القسري قد يؤدي إلى مشكلات اجتماعية ونفسية خطيرة، وأنه لا يجوز للأخ أو الأب أن يستخدم سلطته لفرض زواج معين على الفتاة، بل عليه أن يوجّهها وينصحها فقط.
كما أوضح أن النصيحة من الأهل مشروعة بل مطلوبة، ولكن يجب أن تكون في إطار الاحترام واللين، لأن «الزواج» الذي يبدأ بالغصب لا يثمر إلا ندمًا، بينما «الزواج» الذي يبنى على القبول والمودة يكون أكثر استقرارًا وسعادة.
أنواع الشروط في عقد الزواج
من جانب آخر، تناول مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية مسألة الشروط التي تُوضع في عقود «الزواج»، موضحًا أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية، أولها الشروط الصحيحة والنافذة التي يجب الوفاء بها، وهي التي لا تتعارض مع مقاصد «الزواج»، مثل اشتراط المرأة ألا يُخرجها زوجها من دارها أو ألا يسافر بها، فهذه الشروط جائزة شرعًا ويجب على الزوج الالتزام بها، لأن الوفاء بالعهد من صفات المؤمنين، واستشهد المركز بقول الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»، كما أشار إلى حديث النبي ﷺ «أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج»، مما يدل على أن الوفاء بالشروط في «الزواج» واجب.
أما القسم الثاني فهو الشروط الباطلة التي لا تُبطل عقد الزواج، وهي الشروط التي تخالف طبيعة العقد ومقاصده ولكنها لا تنسحب على صحته، مثل أن يشترط الرجل ألا يدفع مهرًا أو ألا تكون للمرأة نفقة، أو أن تشترط المرأة ألا يطأها زوجها، فهذه الشروط باطلة لأنها تُخالف أحكام الشرع، ومع ذلك يبقى «الزواج» صحيحًا، لأن العقد نفسه قائم على الإيجاب والقبول.
والقسم الثالث هو الشروط الباطلة التي تبطل عقد الزواج نفسه، مثل تحديد مدة للزواج كما في زواج المتعة أو ما يُسمى بزواج التجربة، فهذا النوع من «الزواج» حرام وباطل لأنه مؤقت بزمن، وقد نهى عنه النبي ﷺ في قوله «نهى عن متعة النساء يوم خيبر»، وأكد العلماء أن «الزواج» المؤقت لا يحقق مقصود الشرع في الاستقرار وبناء الأسرة، بل هو عبث بالعلاقة الزوجية التي أرادها الله قائمة على الدوام.
حكم اشتراط مدة أو منع الطلاق في الزواج
أشار مركز الأزهر إلى أن اشتراط حظر الطلاق أو تحديد مدة لعقد «الزواج» من الشروط الباطلة، لأن الشرع أعطى الزوجين حق إنهاء «الزواج» إذا وُجد ضرر معتبر، فإذا اشترط الزوج ألا يطلق زوجته مدة معينة ثم طلقها خلال هذه المدة، وقع الطلاق وصحّ، وكذلك إذا اشترطت الزوجة شرطًا يمنعها من طلب الطلاق أو الخلع، فإن الشرط باطل لأن الله تعالى أباح الطلاق عند الحاجة، فلا يجوز تقييد ما أباحه الله.
كما أوضح المركز أن العقود في الإسلام قائمة على التراضي لا على الإكراه، سواء في بدء «الزواج» أو في إنهائه، لذلك فكل شرط يُخالف هذا المبدأ يُعتبر باطلًا، لأن الزواج في الإسلام ليس عقد مصلحة بل هو عقد مودة ورحمة.
الإسلام وحماية حقوق المرأة في الزواج
أكدت دار الإفتاء ومركز الأزهر أن الإسلام كفل للمرأة جميع حقوقها في «الزواج»، من اختيار الزوج، وتحديد المهر، ووضع الشروط المشروعة التي تحفظ كرامتها، ورفض الإكراه، وأوجب على الرجل حسن المعاشرة والاحترام، كما جعل للمرأة الحق في طلب الطلاق أو الخلع إذا شعرت بالضرر أو الكراهية، وهو ما يعكس عدالة الشريعة ورحمتها بالإنسان.
وفي ختام الفتوى شدد الدكتور علي فخر على أن «الزواج» الناجح لا يقوم إلا على الرضا والاحترام، وأن إجبار الفتاة على الزواج ظلم يتنافى مع مقاصد الشريعة، وأن البنت هي صاحبة القرار في قبول من يتقدم لها، وعلى الأهل أن يعينوها بالنصح والإرشاد لا بالإكراه والضغط، فالحياة الزوجية التي تبدأ بالإجبار لا تُبنى على المودة، بينما «الزواج» الذي يقوم على الرضا والمحبة هو الذي يثمر أسرة صالحة ومستقرة.