محددات التجربة التنموية في ماليزيا : البيئة الداخلية
بقلم- ياسمين حمدي تعتبر التجربة الماليزية في عملية التنمية واحدة من أهم التجارب العالمية الرائدة، حيث تعد ماليزيا واحدة من أهم دول الجيل الثاني من النمور الأسيوية، والتي استطاعت أن تنهض من تخلفها وتلحق بالدول المتقدمة خلال عقدين من الزمن. وذلك بعدما عانت من الاستعمار لمدة خمسمائة سنة بدءا من الاستعمار البرتغالي، ثم الهولندي، وأخيرا البريطاني والذي بدأ من 1665، واستمر في نهب خيراتها لمدة تقترب من ثلاثة قرون، وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية وقعت ماليزيا تحت الاحتلال الياباني خلال عام 1941 وحتى استسلمت اليابان في شهر سبتمبر1945، ثم عادت بعدها للإدارة البريطانية، حتى حصلت على كامل استقلالها في عام 9571. ويذكر جوزيف ستجليتز في هذا الصدد أنه منذ أربعين سنة مضت كانت ماليزيا من أفقر الدول في العالم، وبعد استقلالها لم تتبع توجهات وتعليمات المؤسسات الدولية بل اختارت أن تسير على خطى النماذج التنموية الأسيوية الناجحة.
وقد انطلقت ماليزيا في تجربتها التنموية من سياسة الاعتماد على الذات، واستطاعت أن تضع خطط للقضاء على الفقر، تقليص الفوارق في الدخول، دمج الفئات المتواضعة والعمالة الأجنبية في النسيج الاقتصادي والاجتماعي نتيجة رفع الدخول والكفاءة الاقتصادية. وما يميز التجربة الماليزية هو قدرتها على إدارة التعددية الدينية واللغوية والعرقية والطبقية وغيرها، وكذلك تركيزها واهتمامها برأس المال البشري وتنمية العنصر البشري فيها سواء السكان الأصليين أو المهاجرين إليها، فضلا عن كونها الدولة الإسلامية الوحيدة التي يقوم اقتصادها على التنوع.
وما سبق يدفعنا للبحث عن السياسات التنموية التي نفذتها ماليزيا لتحقيق التجربة التنموية الفريدة من نوعها، وذلك من خلال تناول العناصر التالية، وذلك من خلال سلسلة من المقالات :
أولا: البيئة الداخلية. ثانيا: دور الدولة في تحقيق التنمية (القيادة). ثالثا: التخطيط في الفترات الزمنية المختلفة ( قصير المدى، طويل المدى). رابعا: التعليم. خامسا: موقف ماليزيا من العولمة.
أولا البيئة الداخلية
1- الموقع الجغرافي تقع في الجنوب الشرقي من قارة آسيا، يحدُّها من الشمال تايلاند وبحر الصين الجنوبي وسلطنة بروناي، وجنوبا بحر جاوا وجزيرة سنغافورة وأندونيسيا، وشرقا بحر صولو وبحر سليبس، وغربا مضيق ملقا الذي يفصلهما عن جزيرة سوماطرة. وتبلغ مساحتها 329.750كيلو متر مربع. يتكون اتحاد ماليزيا من مجموعة من الجزر وقسمين أساسيين، يفصل بينهما بحر الصين الجنوبي بمسافة تقدر بـ 650 كيلومتر مربع، وهما ماليزيا الغربية ومساحتها 131.598 كيلو متر مربع وغالبية سكانها من الملايا وتشمل 13 ولاية. أما القسم الثاني فهي ماليزيا الشرقية وتقع في الجزء الشمالي من جزيرة بورنيو، وتتكون من ولايتي صباح وسرواك والإقليم الفيدرالي لابوان، وتبلغ مساحتها 198.190 كيلو متر مربع.
2- الموارد الطبيعية تتنوع مواردها الطبيعية من الحديد، القصدير، النحاس، الأخشاب والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى إنتاج هائل من الفحم والنفط، ويبلغ إنتاجها السنوي من القصدير65 ألف طن، وهو ما يعادل 36 % من الإنتاج العالمي وبالتالي تحتل المركز الأول عالميا في انتاجه. أما الحديد فتحتل المرتبة الثانية في إنتاجه، بحجم يصل إلى نصف مليون طن سنويا. أما إنتاجها من البوكسيت يصل إلى 940 ألف طن سنويا. و20 مليون طن من النفط سنويا. كما تحتل ماليزيا مركز متقدم بين دول آسيا في إنتاج وتصدير الأخشاب، وموارد طبيعية كالمطاط، زيت النخيل، الكاكاو، جوز الهند والتوابل.
3- نبذة تاريخية عانت من ثلاثة أنواع من الاستعمار أولهم البرتغالي بدأ في 1511م وظل حوالي سبعين عاما، ثم حل محله الاستعمار الهولندي. وأخيرا البريطاني ودخلوا سنغافورة والتي كانت جزء من ماليزيا عام 1794 حتى 1942. ثم احتلتها اليابان من 1942 حتى 1945 بهزيمتها في الحرب العالمية الثانية وإجبارها على الخروج من ماليزيا، ثم عادت مرة أخرى للاستعمار البريطاني عام 1946، وإحضارهم طوائف الصنيين والهنود إلى ماليزيا ومنحهم حق المواطنة مع الملايا، وانتهاجهم سياسات فرق تسد وأدى ذلك لنهب للثروات، وزيادة الصراعات الأثنية بين الملايو والطوائف الصينية. وأخيرا حصلت على استقلالها عام 1957. كما تصاعدت الصراعات الأثنية ما بين الملايو والطوائف الصينية بعد الاستقلال وقد ظهر ذلك جليا في أحداث 13 مايو1969. وبالتالي يظهر أن الاستعمار البريطاني كان أحد أهم أسباب الاضطرابات العرقية في ماليزيا.
4- النظام السياسي ماليزيا دولة فريدة في نظامها السياسي. حيث أنه خليط من ديمقراطية برلمانية فيدرالية، وملكية دستورية، وملكيتها متميزة عن غيرها من الملكيات أيضا، حيث ينتخب فيها الملك كل خمس سنوات من قبل مجلس السلاطين التسعة. وعلى الرغم من أن الملك في النظم الملكية البرلمانية الشبيهة بالنظام الماليزي- كبريطانيا مثلا- يعتبر رأس الدولة، ولا يتمتع بصلاحيات في السياسة الداخلية والخارجية للدولة فيما عدا البروتوكولات والاحتفالات الرسمية، فإن الملك في ماليزيا-بالإضافة إلى أنه رأس الدولة- كما في النظم البرلمانية الأخرى، ولكنه أيضا زعيم السلطة الدينية الإسلامية، كما يرأس مجلس الحكام المكَّون من السلاطين التسعة والحكام الأربعة، ويتولى هذا المجلس إدارة الشئون الدينية والثقافية للملايو.
أما السلطة التنفيذية فيرأسها رئيس الوزراء المنتخب، ويتمتع بسلطات حقيقية. وينص الدستور على أن يكون رئيس الوزراء عضوا في البرلمان، وعادة ما يكون زعيم الأغلبية البرلمانية أيضا. ويتكون البرلمان من مجلسين: الشيوخ ( ديوان نيكارا)، والنواب (ديوان الرعية)، ويتم اختيار أعضاء مجلس الوزراء من بين أعضاء البرلمان. والمجلس ورئيسه مسئولون مباشرة أمام البرلمان.
5- السكان يتميز سكانها بالتعددية والتنوع في العرق والدين واللغة والطبقات الاقتصادية.
أ. فبالنسبة للعرق : ينتمــي ســكان ماليزيــا إلى أعراق متعــددة جــاءت إليها خــلال العصــور الوســطى التاريخيــة المختلفة واستقرت فيها، وأهم هذه العناصر(الملايو)، الذي ينتمي للجنس المغولي وهو أهم العناصر ويتركز في شبه جزيرة الملايو ويكون هذا العنصر نحو ٤٨ %من وأكثرها عددا مجموع سكان، ويأتي العنصر الصيني في المركـز الثـاني مـن حيـث الاهميـة والعـدد فهـو يشـكل نحـو ٣٢ % من جملة سكانها ويكون الهنـود والباكسـتانيون ما يقارب ٨ % مـن مجمـوع السـكان، أمـا بـاقي السـكان الـذين يمثلـون نحـو ١٢ % فيتـألفون مـن عناصـر مغوليـة مختلفـة الأصـول، وعربيـة أيضا أقامـت فيها للتجـارة، وأغلبهم مـن جنـوب شـبه جزيـرة العـرب، بالإضافة إلى جماعـة مـن الزنـوج تعيش في الغابـات معيشـة بدائيـة وهـي لاتـزال علـى الوثنيـة والمعتقـدات الروحية، وكذلك يوجد بعض الجاليـات الأوروبيـة أكبرهـا الإنجليزيـة و أخـرى يابانيـة، وتعتمـد ماليزيـا علـى العنصـر الصـيني في قيـادة عمليـة التنمية في ماليزيا ولهم فضل كبير في تحقيقها بالتعاون مع الملاويين.
ب. أما بالنسبة للديانات : تتعدد الديانات فيها، حيث نجد أن هناك الإسلام ويدين به٥٦ %مـن سـكان ماليزيا، أمـا نسـبة أهل الكتاب نحو ١٣ %من السكان و٣١ %من العقائد الاخرى وتقدر نسبة السكان في ماليزيا حسـب إحصـاء عـام 2019 أكثـر مـن 31.949.777 مليـون نسـمة، ويعـد اخـتلاف الأديـان عامـل دفـع وتحفيـز لقيادة عملية التنمية.
ج. أما بالنسبة للغات : فتتميز بالتنوع أيضا، واللغــة القوميــة والرسميــة في ماليزيــا الغربيــة هــي الملايويــة، و الإنجليزية في ماليزيا الشرقية، وهنـاك أيضا الصـينية والعربيـة والتاميـل. أما لغة التدريس في المدارس فهي العربية.